حقي أوجال - ديلي صباح
وسط الانقلابات والتحديات الأخرى، لن يكون تحقيق عالم يسوده السلام أمراً يسيراً كما كنا نأمل.
فوسط أحداث الإطاحة بحكومةٍ ما على سبيل المثال، لا يمكن أن يقيس قائد الانقلاب مصداقية وطاعة وولاء زملائه من الضباط العسكريين، ويزعجه المسؤولون المدنيون فيما يتعلق بالرواتب التي يجب إيداعها في البنوك. ويجد نفسه بحاجة إلى شرح أسباب انقلابه على الحكم شبه المدني النافذ، بشكل مثالي ليس فقط لحكومة تلك البلد بل وللشعب والعالم أيضاً. ووسط الملايين من الإجراءات الفنية المرئية وغير المرئية لإسقاط الحكومة، هناك مسؤول أمريكي على الباب!
ومن بين كل الناس، تطرق فيكتوريا نولاند الباب! وهي نائبة وزير الخارجية الأمريكي ومهندسة انقلاب 2014 في أوكرانيا. ومع ذلك، هُزم المتآمر الفاشل في 15 يوليو/تموز 2016 بالانقلاب الذي قامت به جماعة غولن الإرهابية في تركيا.
والسؤال الأهم هنا "ماذا تريد فيكتوريا نولاند؟".
إنها تريد التحدث مع رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم على الفور. وفي واقع الأمر، التقت أخيراً برئيس دفاع الحكومة العسكرية موسى بارمو وبعض القادة الكبار الآخرين، ووصفت المفاوضات فيما بعد بأنها "صريحة للغاية وفي بعض الأحيان صعبة للغاية".
انقلاب النيجر
كانت الأوقات صعبةً حقاً بالنسبة لقادة الانقلاب في النيجر لأن زملائهم الأفارقة في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"، وهو اتحاد سياسي واقتصادي إقليمي يضم 15 دولة تقع غرب إفريقيا، كانوا يعنون بالفعل ما قالوه عندما أعلنوا أنهم في طريقهم لغزو البلاد وإعادة الرئيس المخلوع بازوم.
وكانت نولاند وزعماء المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا قلقين في الواقع من أن قادة الانقلاب سوف يفسدون العلاقات التي أقامها بازوم مع الولايات المتحدة وفرنسا، وأنهم سيضعون حداً لاستغلال الثروات المعدنية في البلاد، وبالتحديد اليورانيوم. كما يمكن للقادة الجدد طلب المساعدة من مجموعة فاغنر، وهي شركة عسكرية روسية خاصة تمولها الدولة، رغم تعرضها للعار مؤخراً بعد انتفاضتها الفاشلة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكن الولايات المتحدة تقول إن بوتين لا يزال يتلاعب بها.
ويمكن أن تسعى الحكومة الأمريكية إلى فتح بعض القنوات الجديدة مع القادة النيجيريين، ويمكن أن يكون لديها مخاوف مشروعة بشأن فقدان السيطرة في إفريقيا.
يذكر أن النيجر مع الانقلابات المتعددة وتزايد المشاعر المعادية للفرنسيين في المنطقة، أصبحت شريكةً لفرنسا وأقامت تعاوناً عسكرياً قوياً مع الولايات المتحدة في ظل حكم بازوم. وتود إدارة جو بايدن بالتأكيد أن تبقيه على رأس البلاد.
لكن لماذا فيكتوريا نولاند؟ أبسبب خبرتها في تغيير النظام؟ أم استهتارها الماكر بالمجاملات الدبلوماسية؟ ويتذكر الجميع محادثتها الهاتفية المسربة مع السفيرة الأمريكية حول كيفية "ترميم العلاقات مع النظام الأوكراني الجديد" التي ساعدتها في الوصول إلى السلطة.
وإذا كانت هناك فوضى في كييف اليوم، فإن "الملكة فيكتوريا الجديدة" كانت بالتأكيد وراء دورها خلال الاحتجاجات الجماهيرية 2013-2014 التي أدت في النهاية إلى الإطاحة بالرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش.
وكانت نولاند أيضاً من بين المسؤولين الغربيين الذين دعموا المتظاهرين علناً. وفي الواقع، كانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا تشير إلى قيام نولاند بتوزيع السندويشات والبسكويت وسط كييف للمتظاهرين وموظفي إنفاذ القانون عندما كتبت في حسابها على تيليغرام:
"اعتقدت فيكتوريا نولاند أن الأمر سينجح في النيجر كما هو الحال في أوكرانيا: سيكون كافياً إحضار كيس مليء بالبسكويت وإشعال الساحات من أجل الأحمق. لكن نظام جمهورية الموز مثل النظام في كييف، لا يمكن إيجاد مثيل له".
النيجر حليف رئيسي للغرب
تعتبر النيجر حليفاً رئيسياً للغرب، وخاصة فرنسا وأمريكا، لكن هناك أتراك في البلاد أيضاً. وإلى جانب المشاعر المعادية لفرنسا، هناك نفوذ روسي يتنامى مع وجود مجموعة فاغنر في العاصمة نيامي.
ومنذ افتتاح السفارة التركية عام 2012 في نيامي، تم توقيع ما مجموعه 29 اتفاقية مع النيجر، وزار رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء آنذاك، البلاد عام 2013. وقالت وزارة الخارجية التركية: "في إطار تطوير الأرضية القانونية للعلاقات مع النيجر، تم بالفعل سن العديد من الصكوك القانونية في مجالات الصحة والتعليم والاتصالات والاستشارات العسكرية والسياسية كما أُعلن عن الإعفاء من التأشيرة لحاملي جواز السفر الدبلوماسي".
ويقول الخبراء: "كانت تركيا أحد العوامل وراء صعود المشاعر المناهضة للاستعمار غرب إفريقيا. ومن المنطقي أن يكون انتقاد أردوغان القوي للظلم المستمر في إفريقيا والسياسات الوحشية التي نفذت خلال الفترة الاستعمارية، عاملاً هاماً في نفاذ الصبر بشأن أدنى مؤشرٍ على الخنوع تجاه الغرب بشكل عام، والفرنسيين على وجه الخصوص. وهناك معارضة متزايدة ضد الاستعمار الفرنسي الجديد في دول غرب إفريقيا مثل مالي وتشاد وبوركينا فاسو".
من جانبه أكد البروفيسور أنور أربا مدير معهد الدراسات الإقليمية بجامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية، متحدثاً أمام الإعلام المحلي، على تنامي المشاعر المناهضة للاستعمار غرب إفريقيا، وخاصة بين الشباب.
وبالرغم من كل الجهود التي بذلتها السيدة نولاند وأمثالها، اضطرت فرنسا في النهاية إلى سحب قواتها من مالي ومن المحتمل أن تفعل ذلك في النيجر أيضاً. وربما كان هذا هو السبب الحقيقي وراء كل هذا التخويف من فاغنر وروسيا. والهدف الرئيسي من كل هذه الشيطنة هو حقيقة أن 14 مستعمرة فرنسية سابقة كانت تستخدم الأوراق النقدية المطبوعة في البنك المركزي الفرنسي، توشك الآن على تغييرها لأنها أصبحت قادرة على التصرف بشكل مستقل عن فرنسا.
لكن ما زالت الانقلابات الخمسة منذ استقلال النيجر ومثلها نيجيريا ومالي مع 6 انقلابات في بوركينا فاسو وتشاد واثنين في غينيا على سبيل المثال لا الحصر، وهم جميعاً من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لا تعبر عن أي إرادة سياسية وأيديولوجية يجب أخذها على محمل الجد.
وكيف يمكن أن تكون كذلك، بينما تندفع "الملكة فيكتوريا الجديدة" إلى عواصم الدول الإفريقية مع أكياس البسكويت الخاصة بها، وفي اليوم التالي، يغير قادة الانقلاب رأيهم حول طرق تحول بلدانهم إلى أمم متطورة ومتحضرة.
ربما، يجب على النخب المتخرجة من باريس ولندن وبوسطن في إفريقيا وآسيا إعادة قراءة كتب ابن خلدون، وهو منظّر القرن الرابع عشر الرائد في الفكر السياسي الذي يفسر الصعود الدوري وانهيار القوى المدنية، ما يؤدي مباشرة إلى التخلف الاجتماعي والتخلف الاقتصادي.
لكن قراءة أطروحة من ألف صفحة ستكون صعبة على هذا الهاتف الذكي وفي عصر اليوتيوب، والأفضل من ذلك، أن نفعل العكس تماماً من خلال تنفيذ ما تطلبه نولاند وفاغنر في الغرب والشرق.
وما لم تهتم النخب الوطنية بـ "سمعتها في الاستقامة"، فلن يكون السلام ولا الحضارة سهلاً كما أردناه وتمنيناه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس