محمد قدو الأفندي - خاص ترك برس
الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والبحر الأسود وبعض دول أفريقيا تشير بحدوث تغييرات دولية وأصطفافات تدريجية متتابعة لأن الاصطفافات الحالية التي تشكلت بعد حدوث الحرب الباردة بين الدول الغربية والدول الشرقية قد وصلت لنهاية نفقها المظلم .
وبقراءة سريعة لأوضاع دول منطقة الشرق الأوسط نرى أن معظم تلك الدول قد شعرت بالخذلان من الدول الراعية للمعسكرين الشرقي والغربي منذ أولى فترات اصطفافها ، بل أن بعض تلك الدول قد حوربت من قبل شركائها وحلفاءها ومن أصدقاءها الذين وقعوا معها العهود والمواثيق .
معظم تلك الدول والتي صرفت المليارات وتخلت عن بعض سيادتها في سبيل ادامة علاقاتها مع رعاة المعسكرين طالبة الاستظلال تحت جناح الحماية المزعومة من شرور الطرف الاخر شعرت وكأنها فوق رمال متحركة طيلة تلك الفترة دون ان يكون لها استقرارحقيقي.
لم تخرج العلاقات التركية الروسية من عباءتها التاريخية بأساسها العدائي بين الدولتين العثمانية والقيصرية حيث ولدت وحيث أستمرت في أبان الحرب الباردة بين الغرب وأمريكا من جهة وبين الاتحاد السوفيتي من جهة أخرى .
بطبيعة الحال يجب أن لاننسى أن بوتين الذي ترعرع في اقبية المخابرات السوفيتية والروسية يحتفظ بذاكرته بعمليات ومراحل وأسباب سقوط الاتحاد السوفيتي ويحتفظ أيضا بذاكرته قوة الاتحاد السوفيتي والجغرافية الواسعة التي كانت تحتويها مثلما يتذكر الأخطاء التي رافقت أستمرار حقبة الاتحاد السوفيتي والتي عجلت من سقوط دولة وارشو وزعيمتها الكرملين .
وبنفس القدر من الاهتمام لبوتين بدولة الاتحاد السوفيتي يدرك اردوغان أن الغرب أستطاع من توظيف القادة الاتراك بعد انضمام دولتهم في خمسينات القرن الماضي الى حلف الناتو كموظفين مأجورين وتحويل تركيا الى خط صد وقلعة أمامية لمناهضة ومواجهة المد الشيوعي السوفيتي دون الاهتمام لأي اعتبار للمصلحة القومية والوطنية للأتراك .
وبطبيعة الحال أن القادة الاتراك في بدايات تأسيس جمهوريتهم كانوا تواقين للعب دورمهم في الساحة الدولية تعيد لهم بعض ما خسروه من مكانة بين الأمم وخصوصا الدول الغربية وأمريكا بعيد أنهيار الإمبراطورية العثمانية على يد الغرب نفسه .
ومما سبق ماذكرناه فأن كل المراقبين السياسيون لا يتصورورن العلاقات التركية الروسية الا علاقات مصلحية غير مستقرة تتغير بتغيير أو أنتفاء المصالح المشتركة بين البلدين ، وهذه النقطة تحديدا مخزونة في ذاكرة الزعيمين بوتين وأردوغان ، وأن الاحتفاظ بالقدر الأدنى من هذه المصالح بين الطرفين يعني أستمرار العلاقات الطبيعية بينهما .
ومن المؤكد أن العلاقات الحالية التي تتكون أساساتها من علاقة مصلحية تدخل بها عامل أخر مهم أني بل وربما يستمر لفترة طويلة تحاول تركيا الاحتفاظ به مثلما تحاول موسكو اللعب على وتره حاليا ومستقبلا ألا وهو الاستفادة من التناقضات الدولية بين الغرب والشرق.
لكن تلك الخاصية في الاستفادة التركية من التناقضات بين موسكو وعواصم الغرب تتعرض دائما لهزات شديدة من قبل الغرب وبردود أفعال معاكسة من قبل موسكو وتجلت تلك التناقضات في حرب أوكرانيا ووجود قوات روسية في سوريا وتعطيل بعض الاتفاقات الثنائية حول المسألة السورية بين أنقرة وموسكو ، وأنا أذ اذكر العلاقة الروسية التركية الحالية كنموذج متميز يجب ان تتبنى في عملية التوازنات الدولية لدول العالم الثالث او التي لاتملك قرار الفيتو في أروقة مجلس الامن .
أن مانشهده من تحركات أمريكية في المنطقة ووجود تهديدات حقيقية بوقوع صدام مباشر وغير مباشر بين قوات روسية وأيرانية مع القوات الامريكية سواء في الساحة السورية أو في نقاط أخرى ساخنة ، تحتم تركيا لنزع خاصية الاستفادة من التناقضات بين الدولتين من قاموسها التكتيكي تماما في أية لحظة .
وحيث أن للولايات المتحدة الامريكية مصالح جوهرية في المنطقة مثلما لروسيا أيضا وللطرفين معا هناك حلفاء معتمدون في المنطقة ، وحلفاء واشنطن في المنطقة يشعرون بخيبة أمل حقيقية من عهدة بايدن وريثة عهد أوباما الذي أنهى مصداقية المواثيق والمعاهدات الثنائية التي وقعتها تلك الدول مع واشنطن ، مما اضطرت بعضا من تلك الدول وخصوصا العربية من السير في خط مغاير ومتقاطع لخط أمريكا و بخطوات أستقلالية ساعدها في ذلك التسهيلات الروسية وعدم وضع شروط قاسية معقدة عند توقيعها عقود التسليح أو عقود النفط والغاز .
دول الشرق الأوسط شعرت أن الإدارة الامريكية لا تنفك من استخدام الطبيعة الابتزازية في الترويج للخطر القادم من أيران وروسيا والصين وكوريا الشمالية ، مما حتم عليها ولو بصورة جزئية من التخلص من الابتزاز الأمريكي ضد هذه الدول فكانت الاتفاقية السعودية مع أيران برعاية صينية هي تتويج لمرحلة قادمة في المنطقة ، وبهذه الاتفاقية التي لم تكن بحسبان إدارة بايدن حلت احدى اهم اذرع الاخطبوط الأمريكي من قبل السعودية وباهتمام صيني بأمتياز .
احتلت الولايات المتحدة الامريكية العراق عام 2003 ويبدو انها لم تخطط للصفحة الثانية ما بعد الاحتلال ولم تعي تماما تربص أيران ومراقبتها للأوضاع العراقية خوفا على أستقرارها فحاولت طهران بشتى الطرق من هدم البرنامج الأمريكي في العراق في أقامة نظام ديمقراطي علماني تعددي وحسب ما أدعته قبل الاحتلال ، وفي النهاية َأضطرت واشنطن للرضوخ للتدخلات الإيرانية بعدما أسست طهران حديقتها الخلفية وساحة انطلاقها في سوريا ولبنان واليمن وحركة حماس أيضا .
في زمن الشاه أراد البهلوي من التحرر من القيود الامريكية وأتجهت الشاهنشاهية نحو أوربا بكل جدية حيث تم التوقيع على عقود مع الشركات الألمانية لأنشاء مفاعلات نووية وروجت لشراكة أيرانية مع الاتحاد الأوربي عندما ارادت الأخيرة من أصدار العملة الاوربية الموحدة ( اليورو ) فقد تبنى الشاه دعم العملة الموحدة عند أصدارها ، وبالإضافة الى غيرها من الإجراءات التي قام بها الشاه وهددت بها مصالح الولايات المتحدة في المنطقة مما اضطر الامريكان الى انهاء حقبة الشاه – كما انه منع من دخول الولايات المتحدة كلاجئ مع أسرته وهو الصديق القديم .
حاليا تشعر الولايات المتحدة بأن مصالحها في مهب الريح وخصوصا بعد الاتفاق السعودي الإيراني ونهاية سطوة الابتزاز في المنطقة ، كما ان سعي الروس بفتح جبهة جديدة في المنطقة تشتت الائتلاف الدولي في أوكرانيا بمباركة صينية وأن اتفاق الرياض مع طهران وسعي الروس لتوسيع جبهة سوريا يعتبران اهم عاملين قد تضطر بها واشنطن (ولكن ليس في عهد الديمقراطيون ) من اتخاذ خطوات متسارعة في تغيير ستراتجيتها في المنطقة وحتما أن تلك التغييرات قد تحدث زلازل في المنطقة ، ويقينا أن الولايات المتحدة بقيادة بايدن تتحاشى الاصطدام المباشر مع الروس كما أنها تتحاشى من التصادم مع حلفاء الروس والصينين في الشرق الأوسط ، لأن لبعض حلفاء الروس في الشرق الأوسط علاقات ومصالح اقتصادية كبيرة مع بعض دول اوربا الغربية الرئيسية مثل فرنسا ، ورغم أن واشنطن لا تكترث حتى للألتفاتة لمصالح حلفاءها الاوربيين – لكنها تخشى من تهاون اوربا بمؤازرتها في حال قيامها بأي اجراء تصادمي ضد تلك الدول على وجه السرعة او ربما معارضتها وهذا الاحتمال الأخير وارد أيضا ولو بنسبة محدودة جدا .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس