طلحة كوسه - ديلي صباح
يمثل المناخ السياسي الحالي في تركيا واليونان، إلى جانب التزام القادة السياسيين المشترك بمتابعة أجندة إيجابية، فرصةً حاسمة لإجراء حوار بناء يعزز العلاقات الثنائية بين البلدين. وبعد أن واجه البلدان الآثار الضارة لجائحة كوفيد-19 والكوارث الطبيعية والزلازل وحرائق الغابات والأزمات الاقتصادية والتداعيات والمخاطر السلبية للصراع المستمر في أوكرانيا، فضلاً عن التوترات المتصاعدة في غزة، والتي يمكن أن تؤثر على المنطقة بأكملها، ينبغي للدولتين المتجاورتين على أقل تقدير، أن تعترفا بالحاجة الملحة إلى معالجة قضاياهما من خلال الحوار السياسي الصادق.
وبالتأمل في التاريخ الحديث، أصبح من الواضح أنه عندما يفقد كلا البلدين التركيز على المجالات ذات الاهتمام المشترك ويفكران بشكل حصري في الفرص والمخاطر الناشئة بالنظر إلى الذات فقط، فإنهما يتجاهلان الاحتمالات الأوسع. بينما يستطيعان من خلال النهج الموجه نحو الحوار، التوصل إلى تفاهم يعمل على تعظيم مصالحهما.
ومن المؤكد أن القضايا الخلافية مثل المياه الإقليمية لجزر بحر إيجه، وترسيم الحدود البحرية، ومناقشات المجال الجوي والمخاوف المتعلقة بعسكرة جزر بحر إيجه، سوف تستمر. ولا ينبغي توقع التوصل إلى حلول سريعة لهذه المسائل، وسيظل الدبلوماسيون والسياسيون منخرطين في معالجة هذه القضايا المعقدة. لكن الأمر الأكثر أهمية هو المنهجية المستخدمة لمعالجة هذه النزاعات وإدارة المناخ السياسي العام لمنع التوترات من الخروج عن نطاق السيطرة.
وبعد جولات من المشاورات والتبادلات الدبلوماسية البناءة بين الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، أصبح الاعتراف بأن المناخ السياسي الإيجابي الذي يساهم في بناء الثقة المتبادلة أمراً مهماً. كما مهدت الاجتماعات التي جرت على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في فيلنيوس في يوليو/تموز 2023 والجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2023 الطريق أمام أجندة إيجابية. وبعد أن شهدا العواقب الخطيرة للمواجهات السياسية الجامحة، اختار قادة البلدين المصالحة بدلاً من المزيد من التصعيد. والآن يقع على عاتق القادة السياسيين والمثقفين والشخصيات العامة في كلا البلدين إدارة المشاعر العامة وصياغة توقعات واقعية وبناءة.
مرحلة الاستقرار واليقين
من الطبيعي أن تكون العلاقات اليونانية التركية وسط منطقة مضطربة، بمثابة ركيزة للاستقرار وليس جواً من عدم اليقين. ومن المهم بنفس القدر منع أطراف ثالثة من استغلال القضايا المستمرة بين تركيا واليونان. وفي حين أن المصالح الخارجية قد تتضاءل أو تتغير، فإن مواطني كلا البلدين سوف يستمرون في التعايش، مع احتمال أن تظهر التوترات والرسائل السياسية السلبية بين الحين والآخر، كما ينبغي على كلا الطرفين أن يكونا مستعدين للتعامل مع هذه اللحظات بصبر. ويتعين على القادة أن يركزوا على المكاسب الاستراتيجية المتوسطة والطويلة الأجل لعملية الحوار السياسي البناء هذه.
ومع وجود أجندة إيجابية مستمرة، يتبنى قادة البلدين منهجية جديدة لحل خلافاتهم. ويرتكز هذا النهج على المصالح المتبادلة والالتزام بالحوار السياسي المستمر. وقد أثبتت المحاولات السابقة، التي ركزت فقط على مخاوف جانب واحد، فشلها، مما أدى إلى تفويت العديد من الفرص الاقتصادية والسياسية لكلا البلدين.
إن التفاؤل، الممزوج بالحذر والصبر، هو المفتاح لنجاح هذه العملية الجديدة. وبما أن الأجندة الإيجابية تسفر عن نتائج ملموسة، فمن المرجح أن ينمو الدعم لهذه العملية بين الناخبين في كلا البلدين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس