ترك برس
أشار تقرير نشره موقع "ميدان" التابع لشبكة الجزيرة القطرية، إلى البديل التركي في مجالات عدة، كوسيلة لكسر الهيمنة والتبعية الاقتصادية الإسرائيلية التي ظهر حجمها جلياً بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الفائت.
التقرير الذي جاء بعنوان: "التنمية الاقتصادية ضرورة ملحة على ضوء طوفان الأقصى"، حمل توقيع مصطفى يوسف، الباحث في الاقتصاد السياسي، ومدير المركز الدولي للدارسات التنموية.
وبحسب التقرير فقد "أثبتت عملية طوفان الأقصى، رغم ضعف -بل نكاد نقول انعدام- الإمكانات المادية والحصار المفروض على الأرض المحتلة أن الإرادة والرغبة الصادقة في الانعتاق من التبعية هي حجر الأساس لأي مشروع تنموي يرتكز على خصوصية المجتمع المستهدف وتفرده، ولنا في نماذج كوبا، ورواندا، وبوتسوانا، وسنغافورة، وماليزيا، وفيتنام، وتركيا، والبرازيل، الكثير من الدروس المستفادة والتجارب الملهمة."
وأضاف أن "الدول العربية تمتلك ثروة بشرية هائلة، حيث نجد قرابة نصف سكانها في مرحلة عمرية نشطة تمكنهم من العمل والعطاء، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الخصوبة، مما يطبع مجتمعاتنا بخصوصية تميزها نسبيا عن معظم الدول الأخرى، مقارنة بالأميركيتين وأوروبا والصين."
وفيما يلي النص الكامل للتقرير:
فالدول المنتجة للنفط لها من العائدات، بل من الفوائض المالية الضخمة ما يجعل بعض صناديق الثروة السيادية فيها من أكبر المستثمرين الحكوميين دوليا مثل صندوق الثروة النرويجي وصندوق سنغافورة السيادي. هذا علاوة على العدد كبير جدا من الطلاب المبتعثين في دول متقدمة تقنيا ومعلوماتيا وصناعيا وفي المجال الطبي والعلوم الزراعية والعلوم الأخرى الهامة لقيام نهضة اقتصادية حقيقية تقوم على الاكتفاء الذاتي وعدم الاستسهال واستيراد كل ما هو متقدم تكنولوجيا وتصدير المواد الخام -مع عدم قيام صناعات تحويلية حقيقية تضاعف المردود الاقتصادي والمادي لهذه الثروات-.
إن عملية طوفان الأقصى تجربة ملهمة وتفكير خارج الصندوق، ومن المفروض أن تكون منطلقا للاستثمار الحقيقي الجاد في صناعة الطيران والدفاع الجوي. وهو أمر غير مستحيل ولاسيما أن تجارب مذهلة قلبت حسابات دول لم تكن تتوقع تلك النتائج، وخير مثال على ذلك تجربة المسيرات التركية بيرقدار التي حسمت حرب أذربيجان ضد أرمينيا الغاصبة التي احتلت إقليم ناجورنو كارا باخ منذ 1994، على الرغم من صدور العديد من القرارات من الأمم المتحدة ومجلس الأمن بأحقية أذربيجان في الإقليم، ولكننا في عالم لا يعي ولا يحترم إلا لغة القوة وفرض الكلمة بالعلم والسلاح والتقدم التقني.
الولايات المتحدة أقامت الدنيا ولم تقعدها حتى هذه اللحظة ضد الصين وتحديدا ضد تطبيق تيك توك، والحجة المعلنة هي الخوف على خصوصية المستخدمين إلا أن الحقيقة الخفية تكمن في رعب الولايات المتحدة من تحول صناعة التطبيقات ووسائل التواصل من هيمنة أمريكية غربية صهيونية إسرائيلية إلى دول أخرى، فاليوم تيك توك الصيني -وغدا كما نتمنى- تطبيقات وشبكات ووسائل تواصل عربية تنشر الأخبار بصدق ومهنية وموضوعية بعيدا عن حظر الحسابات وتقييدها وتكميم الأفواه التي يقوم بها فيسبوك، وكثير من وسائل الإعلام الغربية التي تتفنن في اختلاق أكاذيب وترهات وتضليلات، بدءا بحرب العراق 2003 وأكذوبة أسلحة الدمار الشامل وصولا إلى شيطنة المقاومة وحرمان العالم من خبر صادق ومهني وموضوعي.
لقد أصبح وجود تجربة تنموية ضرورة ملحة تفرضها متطلبات العصر، فبدلا من تسول وقف إطلاق النار على المدنيين العزل في أرضنا المحتلة، كان الأجدر توافر سلاح طيران رادع يُدخِل المحتل جحره ويمنعه من قصف المدنيين في بلادنا المنكوبة باستعمار استيطاني ونظام فصل عنصري بغيض، ولو كنا نمتلك الشبكات والتطبيقات وشركات الذكاء الصناعي والبرمجيات وعلوم الحاسوب المتطورة البديلة، لاستطعنا تحويل الرأي العام العالمي لصالح قضايانا العادلة وولتمكّنا من إقامة فارق قيمي وأخلاقي وحضاري حقيقي بعيدا عن حضارة استئصالية وعنصرية بغيضة، (حروب فيتنام وأفغانستان والعراق والحروب المستمرة ضد الفلسطينيين على سبيل المثال لا الحصر).
ثم إن النماذج التنموية موجودة ومن السهل تطبيقها إذا توافرت الإرادة، فروسيا قامت بتطوير تطبيق تيليجرام، والصين طورت تطبيق تيك توك، وقد نجحتا بذلك في كسر طغيان دول احتكرت مدة طويلة تطبيقات التواصل ظنا منها أنها وحدها المؤهلة والجديرة بذلك.
حينما نقارن بين نموذج حضاري عادل ومحترم بشهادة الأسرى الإسرائيليين الذين تم إطعامهم من قبل المقاومة الفلسطينية وتطبيبهم ورعايتهم واحترام ممتلكاتهم، وبين سرقة ممتلكات وبيوت الفلسطينيين وسحلهم وتفجيرهم أحياء وقتل أسراهم واستهداف الصحفيين والإعلاميين الذين ينقلون الحقيقة المجردة، كشيرين أبو عاقلة وعائلة وائل الدحدوح رحمهم الله وصبر ذويهم، فإننا نجد تباينا صارخا بين المشهدين؛ نحن نريد الرفاهية والعدل والتقدم للبشر كافة دون عنصرية أو تمييز، في حين نجدهم يقدمون الموت والدمار ويحترفون الكذب وحرمان الآخر أيا كان الاخر مسلما أو عربيا أو صينيا أو روسيا و فيتناميا أو أذريا أو ماليزيا من أسباب التقدم وسبل العيش الكريم.
إن من يتابع تصريحات الساسة الغربيين من بايدن إلى ليندسي جرام إلى ترامب مرورا بإيمانويل ماكرون وريشي سوناك ثم أولاف شولتز وصولا إلى المتصهينين العرب، يجد تصريحات عنصرية بغيضة ومنحازة تسعى إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم التي عاشوا بها آلاف السنين لمصلحة محتل عنصري. دورنا إذن -وسط هذه العنجهية المستبدة المتسلطة- تعرية هؤلاء والصدح بالحقيقة وهذا لن يحدث ما دمنا تابعين للغرب صناعيا وزراعيا وتقنيا ومعلوماتيا، لا نتنج سلاحنا وغذاءنا ودواءنا، وليست لدينا شبكاتنا الإعلامية، (إذا استثنينا شبكة الجزيرة فهي تكاد تكون الشبكة الوحيدة التي تغرد خارج سرب الأكاذيب العنصرية ولَيِّ عنق الحقيقية، وتتعامل بمهنية واحترافية أخلاقية حقيقية)، ووسائل التواصل المهنية العادلة التي تسمح للجميع بالتعبير عن الرأي دون حجر أو حجب.
لقد بدأت التكتلات الاقتصادية التي تحاول كسر الهيمنة الغربية -البريكس مثالا- تتوسع حيث إن تعارض الرؤى بين المعسكر الغربي وباقي دول العالم تزداد حدة، فالولايات المتحدة تبذل قصارى جهدها لحرمان الصين من التقنيات المتقدمة في مجال الشرائح والرقائق الإلكترونية المتقدمة وتسعى إلى تدمير صناعة النفط والغاز الروسية عبر الحظر بحجة العمليات العسكرية في أوكرانيا. غير أنها -أي الولايات المتحدة- غضت الطرف عن السؤال الذي يفرض نفسه بالمقابل وهو: ما العقوبات التي ينبغي فرضها على الولايات المتحدة نتيجة تدمير العراق وسرقة ثرواته وقتل مليون عراقي بناء على أكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي كانت محض اختلاق وافتراء، ورغبة في هيمنة الولايات المتحدة على المنطقة وتمكين إسرائيل من تفوق نوعي على أي دولة عربية؟
لا يخفى على متتبع للشأن الدولي أن فرض الهيمنة الغربية وتثبيت التبعية وحرمان الدول العربية من أسس التكنولوجيا المتطورة، مع السماح لها بالاستفادة من المنتجات في صورها النهائية فقط كدليل قاطع على السياسة العدائية التي تتعمد نصب الحواجز في طريق كل من يريد تحقيق استقلالية علمية واقتصادية.
فما الحل للتحرر من الهيمنة والتبعية؟
- استراتيجية متوسطة-طويلة الأمد لتطوير التعليم والبحث العلمي وسد الفجوة الرقمية والتكنولوجية والمعلوماتية مع الدول الغربية عن طريق استثمار جزء من فوائض الأموال لاستثمار الأدمغة العربية المهاجرة وتحفيزها، وتوظيف السواعد المحلية التي خبِِرت مواطن الضعف في بلادها والتعاون المكثف مع الصين وروسيا والبرازيل.
- خطة عاجلة للاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية الرئيسية والثروة الحيوانية، (التجربة البرازيلية والنيوزيلندية والجنوب افريقية).
- تشجيع الصناعات الصغيرة والاستفادة من تجارب ماليزيا وسنغافورة وفيتنام والاستعانة بالخبرة الصينية والتركية.
- الاهتمام المكثف بصناعة البرمجيات والروبوتات والتعاون الضروري مع الصين وتركيا وروسيا في هذا المجال الحيوي.
- الاستثمار الكبير في الصناعات الدوائية والكيميائية والأسمدة والتعاون مع الدول الرائدة في هذا المجال (روسيا وتركيا).
- التوسع العمراني والعقاري بما يتماشى وطبيعة دولنا، (تجربة الراحل المعماري الفذ حسن فتحي) والاستفادة من الخبرات الإنشائية الصينية والتركية.
- التوسع في التمويل الصغير والمتناهي الصغر (تجربة محمد يونس "بنك الفقراء" في بنجلاديش).
- استقطاب العقول المهاجرة في البلدان الغربية كما فعلت الصين لإدارة التجربة التنموية على أسس علمية بأيدي محلية لديها نفس الآمال والطموحات، خصوصا بعد تفشي العنصرية وازدواجية المعايير وكراهية الآخر التي اتضحت بشكل جلي بعد عملية طوفان الأقصى.
لا شك أننا نستطيع كما استطاعت المقاومة بإمكاناتها المحدودة إذا توافرت الرغبة والإرادة، فرحلة الألف ميل تبدأ بخطوة كما يقال، خاصة أن لنا من الإمكانات المادية والبشرية والجغرافية والثروات الطبيعية (التي ينبغي استغلالها بأفضل طريقة ممكنة قبل تحول العالم لمصادر طاقة بديلة) ما يحقق الاكتفاء وزيادة، شريطة أن نبدأ بأسرع وقت ممكن حتى نتدارك ما فات ولا نتسول عطفا أو معونات أو قروضا من دول تحاول فرض إرادتها وتوجهاتها الأيدولوجية المتعارضة قيميا وأخلاقيا مع قيمنا وثقافتنا. ولنا في كأس العالم قطر 2022 خير مثال، حيث استطاعت قطر فرض منظومة أخلاقية تتماشى مع الفطرة وتحترم المرأة وتحرص على أمنها وسلامتها غير آبهة بالهجمة الشرسة غير الأخلاقية من وسائل إعلام دول غربية تحاول فرض ثقافتها المنافية للفطرة علينا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!