ترك برس

في ظل التطورات السياسية والاقتصادية المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، أصبح دور الشباب في تشكيل السياسة المحلية والدولية أكثر أهمية من أي وقت مضى. وفي تركيا، يواجه الشباب تحديات مزدوجة، حيث يتعين عليهم التفاعل مع القضايا الداخلية المعقدة وفي الوقت نفسه أن يكونوا جزءًا من النقاشات العالمية التي تؤثر بشكل مباشر على مستقبلهم.

وعلى الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه تركيا في دعم قضايا مثل القضية الفلسطينية على الساحة الدولية، إلا أن هناك تساؤلات حول غياب الجيل الشاب عن المشاركة الفاعلة في هذا الصراع العالمي. ويرى مراقبون أن هذه الفجوة تشكل تحديًا حقيقيًا في تعزيز دور الشباب في السياسة الخارجية.

وفي هذا الصدد، يرى الكاتب والإعلامي التركي سلجوق تورك يلماز، في مقال بصحيفة يني شفق، أن تراجع مشاركة الأجيال الشابة في الأحداث التي تؤثر على المنطقة بأسرها يُعدّ مشكلة بالغة الأهمية، ويمكن القول بسهولة إن غيابهم عن الساحة الميدانية ملموس بشكل واضح.

ووجه تورك يلماز في مقاله انتقادات لأنشطة منظمات الشباب التابعة لحزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية والأحزاب الأخرى المكوِّنة لتحالف الشعب، مؤكدا أن هذه التنظيمات يفترض أن تكون الأكثر نشاطًا وحيوية، إلا أن هناك انطباعا بأنها تركّز بشكل أكبر على الأنشطة الحزبية الداخلية.

وفيما نص المقال (منظمات الشباب لحزب العدالة والتنمية والحركة القومية.. أين هي من القضية الفلسطينية؟):

أعاد الرئيس رجب طيب أردوغان تسليط الضوء على القضية الفلسطينية، خلال قمة مجموعة العشرين، مؤكدا الجهود التي تبذلها تركيا لدعم فلسطين من خلال المساعدات الإنسانية والخطوات الدبلوماسية. إلا أن النقطة الجوهرية التي أشار إليها الرئيس هي فشل المجتمع الدولي في الضغط على إسرائيل بما يكفي لوقف انتهاكاتها. وبالطبع فإن هذه التصريحات تستدعي إلى الذهن الضغوط التي تمارسها القوى الاستعمارية وتجاهل بعض الدول لهذه القضية.

إن أصل هذه المشكلة يكمن في غياب المبادئ الأخلاقية في العلاقات الدولية وفي استحواذ الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن على النظام الدولي، مما جعله عاجزاً عن اتخاذ إجراءات فعالة. ورغم ذلك، تسعى تركيا جاهدة لإبقاء قضية فلسطين حاضرة في الأجندة الدولية، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو في المنظمات الدولية، وذلك لفتح آفاق جديدة لحل هذه القضية. هذا الأمر يمثل تحدياً كبيراً للدول التي تدعم فلسطين وتركيا.

في نهاية المطاف، يكمن جوهر المشكلة في العدوانية التوسعية للدولة الاستيطانية المدعومة من النظام العالمي ثنائي القطب ومن الهيمنة الأمريكية أحادية القطب. ومن هذا المنطلق، كان المستهدف الطبيعي في خطاب الرئيس أردوغان هو الدول الإمبريالية الكبرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو ما أشار إليه بشكل واضح في كلمته خلال القمة.

وقد أعلن الرئيس أردوغان في مؤتمر صحفي عقده على هامش مشاركته في قمة مجموعة العشرين عن مبادرة تركية جديدة لدعم القضية الفلسطينية. وأشار إلى أن تركيا قد أصدرت، بالتعاون مع 52 دولة ومنظمتين دوليتين، وثيقة في الأمم المتحدة تطالب بوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة والذخيرة. كما أكد الرئيس على أهمية اعتراف المزيد من الدول بدولة فلسطين، خاصة في هذه المرحلة.

ورغم أن هذه المبادرة موجهة بشكل أساسي إلى الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبا القارية، إلا أنه يمكن القول إنها تستهدف أيضاً الدول الأخرى التي تشتري الأسلحة من إسرائيل. فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أقامت إسرائيل علاقات وثيقة مع الدول المستعمرة السابقة من خلال تجارة الأسلحة، مما جعل هذه الدول تعتمد عليها ومنح إسرائيل نفوذاً واسعاً. كما لعبت إسرائيل دور الوسيط بين هذه الدول وبين الولايات المتحدة وبريطانيا في صفقات الأسلحة المشبوهة. لذلك، فإن دعوة الرئيس أردوغان لوقف تزويد إسرائيل بالأسلحة تُعدّ مواجهة حاسمة ضد شبكة واسعة ومعقدة من العلاقات والمصالح الدولية.

نشهد بشكل عملي أن نضال تركيا متعدد الجوانب. ولكننا نرى أيضاً أن هذا النضال قد أوجد نقاط ضعف انعكست على الساحة الداخلية. لقد سبق لنا أن تطرقنا إلى مسألة وكلاء النفوذ والكيانات التابعة، وهما إرثان من الحرب الباردة. ورغم أهمية هذه المسائل، إلا أنه يجب شرح الخطوات التي تتخذها تركيا على الساحة الدولية في سياقها الصحيح للرأي العام.

وقد أشار السيد الرئيس أردوغان، أثناء حديثه عن جهود تركيا بشأن فلسطين، إلى محاولات بعض الأطراف الداخلية لتقويض هذه الجهود. ورغم أن الرئيس أردوغان لم يذكرهم صراحة، إلا أن أنشطة الدوائر التي تعمل على نشر دعاية مضادة، رغم قطع العلاقات التجارية مع إسرائيل، قد وصلت إلى حد إثارة الفوضى واللبس. ومن المعروف أن هذا المجال يشهد بشكل خاص نشاطًا من قبل الأوساط المحافظة والدينية والقومية، حيث تقوم بعض وسائل الإعلام والجماعات بنشاطات تهدف إلى تشويه صورة النضال الكبير الذي تخوضه تركيا، رغم وجود معلومات تشير إلى عكس ذلك. وبلا شك، فإن هذا يعد وضعًا ممنهجًا ومدبرا.

يمكننا الإشارة إلى بعض النقائص دون الحاجة إلى مناقشة شبكات العلاقات الإمبريالية الجديدة، مثل البُنى التابعة ووكلاء النفوذ، ضمن سياق محدد. وفي هذا الإطار يمكن انتقاد أنشطة منظمات الشباب التابعة لحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية والأحزاب الأخرى المكوِّنة لتحالف الشعب. فمن الممكن التساؤل عن مدى اندماج هذه المنظمات الشبابية في القضايا الراهنة، متجاهلين في هذا السياق أنشطة المؤسسات التابعة لرئاسة الجمهورية. مع أن هذه التنظيمات يفترض أن تكون الأكثر نشاطًا وحيوية، إلا أن هناك انطباعا بأنها تركّز بشكل أكبر على الأنشطة الحزبية الداخلية. وهذا التقييم، سواء كان صحيحًا أو غير ذلك، يبقى مسؤولية التنظيمات المعنية لمناقشته. ومع ذلك، فإن إدراك الدور الحيوي الذي تلعبه التنظيمات الشبابية في مستقبل الأحزاب السياسية يجعل أهمية المسؤولية الفكرية أكثر وضوحًا.

إن تراجع مشاركة الأجيال الشابة في الأحداث التي تؤثر على منطقتنا بأسرها يُعدّ مشكلة بالغة الأهمية. ويمكن القول بسهولة إن غيابهم عن الساحة الميدانية ملموس بشكل واضح.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!