ترك برس

استكشف تقرير للكاتب والإعلامي التركي أرسين تشيليك، العلاقة بين التكنولوجيا والحرب، وكيف تؤثر على الأمن الفردي والجماعي في السياقات المعاصرة، على خلفية انفجارات أجهزة الاتصال في لبنان.

وقال تشيليك في تقريره بصحيفة يني شفق إنه لا يمكن تصنيف انفجارات أجهزة الاتصال في لبنان كهجمات سيبرانية. من المؤكد أنه ستظهر سيناريوهات مرعبة حول الأساليب الغريبة التي اعتمدتها إسرائيل. وفقًا للتقارير التي نُشرت في وسائل الإعلام الأمريكية وآراء الخبراء على وسائل التواصل الاجتماعي منذ يوم أمس، يبدو أن صدمة تفجير أجهزة الاتصال الخاصة بأعضاء حزب الله تنتشر عالميًا كما أرادت إسرائيل.

وأوضح أنه لم يكن هدف إسرائيل يقتصر على حزب الله، بل تكرر ما حدث مع الإبادة الجماعية لسكان غزة على مدى 12 شهرًا، حيث تتجاوز إسرائيل كل الحدود في هجماتها. بعد 7 أكتوبر، فرضت حصانة على نفسها، والآن تبدو وكأنها تتسلح بعدم المساءلة. أؤكد مجددًا أن إسرائيل تستفيد بشكل فعال من منصات التواصل الاجتماعي وأدوات الذكاء الاصطناعي لتحقيق أقصى فائدة.

ولفت إلى أن الهدف الأساسي للدول من أي نوع من التعتيم الذي تتبعه بعد الهجمات الإرهابية هو منع الفوضى المحتملة وتقويض تأثير دعاية المنظمات الإرهابية. تسعى الجماعات الإرهابية من خلال أعمالها إلى إضعاف المجتمعات نفسيًا وزرع عدم الثقة في سلطات الدولة. يُطلق على ذلك اسم "الإخضاع". الصور الدموية التي تُنشر بعد الهجمات تخدم هذا الغرض تمامًا.

وتابع التقرير:

بالنسبة تركيا، كانت الأعمال الدموية التي نفذها تنظيمي داعش وبي كي كي الإرهابيين، خاصة في عام 2015، قد أثرت بشكل كبير على الشعب والرأي العام. ففي مساء 15 يوليو/تموز بينما كان الانقلابيون يسيطرون على الجسور، كانت هناك معلومات تتداول على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بأن الجنود يتخذون احتياطات ضد هجمات داعش. وقد سبقت هذه المناورة المدعومة بالإرهاب إعلان صحيفة "يني شفق" في الساعة 22:37 عن محاولة انقلاب منظمة غولن الإرهابية.

بالعودة إلى التفجيرات المتزامنة التي نفذتها إسرائيل عبر زرع قنابل في أجهزة الاتصالات اللاسلكية التي يستخدمها أكثر من 3 آلاف عنصر من حزب الله، يمكن اعتبار هذه العملية واحدة من أعقد وأخطر الهجمات الإرهابية. بعيدًا عن تفرّدها وكونها غير متماثلة، أظهرت إسرائيل قدرتها على فرض هيمنتها بطرق مبتكرة للقتل، بدءًا باغتيال إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس، في أحد أكثر المواقع تحصينًا بطهران، وصولاً إلى التفجيرات التي استهدفت أجهزة النداء في لبنان.

زرع المتفجرات التي تتراوح بين 30 و60 جرامًا داخل الأجهزة، واستخدامها بضمان "تسليم المصنع" يكشف ضعفًا كبيرًا في منظومة الأمن لدى حزب الله وحليفته إيران. ومع ذلك، لم يكن مجرد زرع المتفجرات هو الجانب الأكثر إثارة، بل إضافة مفاتيح الشبكة لهذه الأجهزة، بحيث انفجرت القنابل في اللحظة التي تم فيها قراءة الرسائل، وكأنها صادرة من القيادة نفسها. هذا الأمر يُذكّرنا بمشاهد من أفلام الخيال العلمي، ولكنه للأسف حدث على أرض الواقع.

الهجمات المتعددة والمتزامنة في لبنان، التي علمنا بها فور حدوثها، ليست مشهدًا سينمائيًا أو حبكة خيالية، بل حقيقة دامغة. والآن، بينما أكتب هذه السطور، تُفجّر إسرائيل أجهزة الاتصالات التي يستخدمها عناصر حزب الله، في استعراض سافر لقوتها. فماذا بعد؟ هل ستستهدف الأجهزة اللوحية أو الحواسيب المحمولة والمكتبية في المستقبل القريب؟

خلال الحرب العالمية الثانية، نفذت الولايات المتحدة أول اختبار ناجح لقنبلة ذرية في صحراء نيو مكسيكو، حيث فجرت جهازًا أُطلق عليه اسم "ترينيتي". وبعد مرور 20 يومًا، في 6 أغسطس 1945، ألقت قنبلة ذرية تحمل اسم "الولد الصغير"، تحتوي على 64 كيلوغرامًا من اليورانيوم-235، على مدينة هيروشيما، مما أدى إلى مقتل 140 ألف شخص.

وبعد ثلاثة أيام، في 9 أغسطس 1945، قصفت الولايات المتحدة مدينة ناغازاكي بقنبلة ذرية أخرى أطلقت عليها اسم "الرجل البدين"، مما أسفر عن مقتل 74 ألف شخص في لحظات وتدمير ثلث مباني المدينة.

سُجلت هاتان الهجمتان كأول هجمات نووية تُستخدم في الحروب. أحدثت هذه الهجمات تغييرات جذرية في العالم. جميع الدول، سواء كانت في حالة حرب أو سلام، أصدقاء أو أعداء، أصبحت تحت تهديد القوة النووية. كما أظهرت قوة الأسلحة النووية الأمريكية إمكانية تدمير البشرية. وعندما أجرت روسيا تجربة لقنبلة هيدروجينية تُعرف بـ 'قنبلة القيصر' في عام 1961، أثارت هذه التجربة قلق أمريكا. وكان قرار الدولتين العظميين في فترة الحرب الباردة بوقف تطوير الأسلحة النووية بمثابة ضمان للإنسانية للحد من تكنولوجيا الأسلحة النووية.

كيف يمكن السيطرة على استخدام التكنولوجيا كأداة للتدمير الشامل في عصرنا الحالي؟ يتم تطوير استراتيجيات الحرب الحديثة بطرق غير مسبوقة وتجربتها على البشر. لم يتبقى أحد لم يسمع أو يعرف أن إسرائيل استفادت من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أثناء ارتكاب المجازر في غزة. الصهيونية تستخدم فلسطين كمختبر لتطوير الأسلحة. وقد كشفت التقارير التي نُشرت في مايو الماضي أن المعلومات المستخلصة من تطبيق واتساب، الذي يمتلك مليارات المستخدمين، قد أُستخدمت لتحديد مواقع العديد من أفراد حماس وتنفيذ هجمات موجهة.

قبل إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما، درست أمريكا حياة اليابانيين وأوقات تحركاتهم لتحديد الوقت الذي يكونون فيه في الخارج أكثر، وقررت تنفيذ الهجوم في الساعة 08:15 صباحاً. بمعنى أنهم جمعوا البيانات لعدة أيام لتحقيق أقصى تأثير. أما إسرائيل، فهي تنظم عمليات اغتيال جماعية من خلال برنامج يُدعى "لافندر" لتسريع عملية الإبادة دون أي دراسة ميدانية.

طوال يوم أمس، بحث الناس بقلق كبير، كما ترغب إسرائيل، عن إجابة لسؤال مهم: ماذا لو انفجرت الهواتف المحمولة مثل أجهزة الاتصال القديمة؟ ومن الطبيعي، في ظل هذه الفوضى، أن تتباين الآراء. بعض الخبراء يقولون: "هذا غير ممكن، فقد انفجرت القنابل الحقيقية المخبأة داخل الأجهزة." بينما يزعم آخرون أنه يمكن تفجير بطاريات الهواتف عن طريق تسخينها باستخدام برامج معينة. وفي هذا السياق، يقول الدكتور محمد نور الله آتش، المتخصص في بطاريات الليثيوم، في تصريح لموقع يني شفق: "ليس من المستحيل حدوث ذلك."

 

مهما كانت الظروف، فإننا نحمل في جيوبنا قنابل قد تنفجر نتيجة تدخلات متعددة، وأصبحت هذه الأجهزة تحت سيطرة الخوارزميات. الخيار الآن بيد البشرية لتحديد ما إذا كانت ستخضع لإسرائيل أو ستقاوم ذلك، كما أن قرار استخدام التكنولوجيا الحديثة يعود لنا. قد لا تنفجر الهواتف المحمولة في وجوهنا أثناء مشاهدة فيديو على تيك توك، لكن يمكنها توجيه آلاف المستخدمين إلى خطر واحد من خلال إشعار واحد. فهل نحن مدركون لهذه المخاطر؟

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!