ترك برس
قال السياسي والبرلماني التركي السابق آيدن أونال، إن العملية الإرهابية التي نفذتها إسرائيل في لبنان من خلال أجهزة النداء الآلي، تُظهر مرة أخرى ضرورة التكنولوجيا الوطنية، مشددا على أن "التكنولوجيا الوطنية ضرورة ملحة، لكن هل من الممكن تحقيقها؟".
وأشار أونال في مقاله بصحيفة يني شفق إلى أن المرحوم محمد عاكف (شاعر ومفكر تركي) كان قد اقترح صيغة للوصول إلى مستوى الغرب في العلوم والتكنولوجيا وتجاوزه، تتمثل في "أخذ تقنية الغرب، ورفض أخلاقه". وكانت هذه الصيغة التي دافع عنها عاكف ومفكرو الدولة العثمانية في عصره، تُعبر اليوم عن نفسها بـ "يد تمسك بالكمبيوتر، ويد تحمل القرآن". ولكننا نرى أن هذه الصيغة، التي طُرحت كحلٍ في ظل الظروف والمعرفة المتاحة في ذلك الوقت، قبل أكثر من مئة عام، قد فقدت صلاحيتها اليوم. فليس من الممكن فصل التكنولوجيا عن الأخلاق، والأخلاق عن التكنولوجيا.
وأكد أونال أن معظم الأجهزة التكنولوجيّة التي نستخدمها اليوم هي نتيجة البحث عن الأسلحة، بل وحتى أسلحة الدمار الشامل في الحروب. كما أن طمع الرأسمالية الجامح ساهم في إنتاج التكنولوجيا وتسويقها كضرورة، مما جعلها تحتل مكانة بارزة في حياتنا. فهل يمكن لمسلم أن يُنتج مثل هذه التكنولوجيا مع الحفاظ على إيمانه، وهل يمكنه أن يشارك في بحث أو إنتاج سلاح قادر على تدمير المدن، دون تمييز بين الأطفال والنساء والشيوخ والمعاقين، مع الحفاظ على هويته الإسلامية؟ هل يُعقل أن تكون أساليب الإنتاج التي تستند إلى استغلال العمل، واستهلاك الموارد بلا حدود، وتلويث البيئة، وتضليل الناس عبر الدعاية، وطرق التسويق الشيطانية، والمنافسة الشرسة، وتهميش مفاهيم الرضا والبركة، والطمع في تحقيق الثراء على حساب الفقراء، وتعزيز الاستهلاك الفاخر، منهجًا إسلامياً؟
وتابع المقال:
لقد وصل الغرب إلى المستوى العلمي والتكنولوجي الذي هو عليه اليوم من خلال تقويض المسيحية على مر القرون. وبينما كان يستغل العالم بوحشية، كان يعتقد أنه :"يُعلي من شأن المسيحية"، وعندما ارتكب الإبادة الجماعية، كان يعتقد أنه يمارس "حربًا مقدسة". وحتى اليوم لا تزال هناك ديانة في الغرب تتغاضى عن الإبادة الجماعية في غزة، وتشرعن شذوذ المثلية الجنسية، ولا تزال تؤثر على المجتمعات الغربية حتى وإن كانت علمانية أو ملحدة. لذا فإن الاعتقاد بإمكانية الفصل بين تاريخ الغرب على مر القرون وبين حاضره، عن الدين والأخلاق والثقافة، يُعد من أكبر أخطاء المثقفين المسلمين، وكذلك أولئك الذين يحملون أفكارًا علمانية أو البعيدين عن الدين داخل المجتمعات الإسلامية.
كيف يمكننا أن نرتقي إلى مستوى الحضارات المعاصرة؟ لا شك أن إحدى الطرق هي تغيير الدين أو تشويهه. يبدو أن النخبة الجمهورية قد اكتشفت هذا، فشنت حربًا على الإسلام؛ ولو حاولوا تغييره أو تشويهه بدلاً من محاربته، لربما كانت النتيجة مختلفة. لقد بدأت عملية التغيير متأخرة جداً، واليوم لدينا أجيال تحمل في يدها الكمبيوتر وفي اليد الأخرى القرآن، لكنها تعاني من الحيرة والارتباك وكأنها شاحنة بلا فرامل تندفع نحو المجهول.
هل هناك طريق آخر؟ لا نعلم حتى وإن كان موجوداً. فنحن نحاول العثور على هذا الطريق منذ 150 عامًا. ما نعرفه هو أننا عندما نستورد التكنولوجيا، نستورد أيضًا أخلاقها. وكما حدث في لبنان نستورد معها قنابل تضر بنا ونحن من يدفع ثمنها. لا يمكننا تجاهل هذا الأمر والقول إن هذا "غباء حزب الله"، فكل جهاز نستخدمه في تركيا حاليًا، من السيارات إلى أجهزة التكييف، ومن الهواتف المحمولة إلى المكانس الكهربائية الروبوتية، وكل ما هو متصل بالإنترنت أو الأقمار الصناعية، يمكن أن يتحول إلى سلاح للمراقبة والتنصت، وإن لم يكن قنبلة فعلية. ومن يدري، ربما تحول بالفعل.
لا نزال نجهل كيف يمكن للمسلم أن ينتج التكنولوجيا مع الحفاظ على هويته الإسلامية، ولكن علينا على الأقل اتخاذ قرارات جذرية بشأن التكنولوجيا التي نستخدمها حتى نجد هذا الجواب. فلا يمكن لبلد أن يكون مستقلًا إذا كانت التكنولوجيا الأجنبية تنتشر فيه بحرية وسهولة بهذا الشكل.
لقد أظهرت لنا أحداث لبنان أنه يجب علينا إنتاج التكنولوجيا التي نحتاجها بأنفسنا. ولكن يجب ألا نغفل عن أنه ينبغي علينا الابتعاد عن ما لا نستطيع إنتاجه قدر الإمكان. لقد نجحت روسيا في ذلك ولا تزال تواصل النجاح، فلماذا لا ننجح نحن؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!