طه كلينتش - يني شفق

منذ بداية طوفان الأقصى ألقيّت أكثر من 346 كلمة في مختلف الولايات التركية، في إطار مؤسسات متعددة، وعلى المنصات الرقمية. وقد تناولت هذه الكلمات العديد من المواضيع، من أهمية القدس والمسجد الأقصى في قلوب المسلمين، وتاريخ فلسطين، وعمليات الاحتلال الصهيوني، ومراحل المقاومة الفلسطينية، إلى أحوال العالم الإسلامي والمسلمين، والتحولات التاريخية في تاريخ الشرق الأوسط المعاصر. ومن الطبيعي أن تتحول هذه المحاضرات في مرحلة ما إلى جلسات حوار وتبادل للآراء.

وفي فقرة الأسئلة والأجوبة، كنت مضطرًا للرد بشكل مفصل على سؤال: "هل سنستمر في الكلام فقط؟". فمع كل هذه الدماء المسفوكة، هل يجدي نفعا الجلوس في القاعات أو أمام الشاشات والتحدث فقط؟ خصوصًا وأن الكثير مما يُقال معروفٌ مسبقًا، أليس هذا بحد ذاته إضاعة للوقت؟ وهل يمكن أن يكون لهذا الحديث نتائج ملموسة؟ أم أننا نلجأ إليه فقط لكي نشعر بأننا نقوم بشيء ما؟

قد يبدو الحديث عن الأحداث الجارية، ونحن نشاهدها من الخارج، ترفًا مريحا لا داعي له. وهذا صحيح إلى حد ما، ولكن خلال العام الماضي، أدركت عن كثب حقيقة مهمة مفادها: أنه رغم كل أحاديثنا وإخلاصنا ودموعنا التي تنهمر والتعاطف في قلوبنا، إلا أننا نعاني من نقص شديد في المعلومات حتى في أبسط القضايا. فالكثير مما نظن أننا نعرفه، متناثر في أذهاننا بلا ترابط أو تسلسل، مثل الفراشات التي تطير دون أن تلامس أجنحتها بعضها البعض. وعندما تضيف إلى ذلك الجدل السياسي، والخلافات السياسية الداخلية، والتضليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتحزبات المختلفة، ستجد أن حتى أولئك الذين يُتوقع منهم الوعي التام يتلفظون بجمل مثل: "ما شأننا بقضايا العرب؟"، أو "لقد باعوا أراضيهم، ويستحقون ما يحصل لهم"، أو "دعونا لا نورط أنفسنا في مستنقع الشرق الأوسط".

أحيانًا أتحدث إلى ربات البيوت، وأحرص على تذكيرهن بشكل خاص قائلاً لهن: في الماضي ربما كنت تعتقدين أنه لا علاقة لك بشكل مباشر بقضايا العالم الإسلامي. ولكن الآن حتى وأنت مشغولة بأعمال منزلك، قد تسمعين طفلك يتحدث عن شيء سمعه في المدرسة، فيجلبه معه إلى البيت ويصبح الموضوع مطروحاً على طاولة مطبخك". أي أن هذه القضايا لم تعد مقتصرة على الأكاديميين والصحفيين والسياسيين والمؤثرين. ففي أيامنا هذه حيث تُناقش كل القضايا بلا ضوابط من قبل الجميع، لا يمكن لأحد أن يتجنب الانخراط في جدل ساخن حول القضايا الراهنة والأحداث الجارية.

وبالتالي، علينا أن نتحدث عن قضايانا، ونتناولها بشكل صحيح، وأن نضع الأسس إذا كانت غير موجودة، وإن كانت الأسس ناقصة أو وضعت بشكل خاطئ، فعلينا أن نكملها ونصححها. فلا يمكن أن يحدث شيء دون حديث. المشكلة تبدأ عندما "نقتصر" على الحديث. إذا اكتفينا بالحديث فقط دون أن نتخذ خطوات، وإذا جعلنا الحديث والنقد مجرد عادة دون أفعال، عندها تكمن المعضلة.

لا أعتبر الحديث عن العالم الإسلامي بشكل دائم من خلال زاوية المعاناة والأزمات، أو توجيه الاتهامات بشكل مستمر إلى الآخرين، أو تقديم خطب حماسية حول وحشية الأعداء، أسلوبا حواريا مثمرا. فللأسف نحن نعيش هذه الواقعية المريرة ونراها بأعيننا. إن الكلام المفيد هو الذي يقدم حلولاً واقعية وخارطة طريق قابلة للتطبيق. لقد مللنا من تصوير المآسي، والجدال السياسي، والتذكير المستمر بضعفنا أمام الأعداء. نحن بحاجة إلى كلام واقعي يحفزنا بعد أن نستمع إليه، ويدفعنا إلى الأمام، وينقلنا من مكان إلى آخر بشكل إيجابي، ويجدد آمالنا، ويمنحنا القوة لمواصلة السير.

ولهذا السبب، أحرص في كل خطاباتي على الوصول إلى السؤال التالي: "ماذا علينا أن نفعل؟" ثم أؤكد على ثلاث مهام أساسية: 1ـ فهم الأحداث بكامل أبعادها وبعمق. 2ـ طرح السؤال دائماً: "ما هو واجبي في هذا الموقف وما الدور المطلوب مني؟" 3) القيام بكل عمل بأفضل شكل ممكن وبأعلى جودة من جميع النواحي. أعتقد أنه يمكننا تطبيق هذه المهام الثلاث على نطاق واسع، بدءًا من دائرتنا الضيقة وصولًا إلى القضايا الكبرى التي تواجه العالم الإسلامي.

عندما جلست أمام الكمبيوتر، كنت أعتزم كتابة مقال عن الدروس التي استخلصناها من طوفان الأقصى والتطورات التي حدثت خلال عام. لكن الكلمات والجمل تدفقت بسرعة، وخرج مقال مختلف. سنتحدث عن الدروس المستفادة من طوفان الأقصى، يوم السبت القادم إن شاء الله.

عن الكاتب

طه كلينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس