طه كلينتش - يني شفق

مر عام كامل على طوفان الأقصى. ولم تتوقف اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي منذ ذلك الحين عند حدود غزة، بل امتدت إلى لبنان. إن مشاهدة إبادة جماعية من بعيد دون القدرة على التدخل المباشر تولد مشاعر متضاربة من الحزن والغضب، يليها اليأس والشعور بالعجز. ومع ذلك فإن طوفان الأقصى قد أسفر عن نتائج ملموسة، وشكل نقطة تحول تاريخية حقيقية، في نواح عديدة. وأضاء شمعة الأمل والتفاؤل بدلاً من اليأس والعجز.

لنستعرض معاً بعض الأسئلة والأجوبة:

ــ ماذا تعلمنا من غزة وأهل غزة؟

علمتنا غزة، قبل كل شيء، معنى المقاومة والنضال. هناك دروس عظيمة يمكن أن نستفيد منها من عزيمة الناس الذين يحاولون العيش تحت القنابل، وأملهم في المستقبل. لقد ذكَّرت غزةُ العالم أن الحياة بكرامة وشرف تُعتبر من أعظم ثروات الإنسانية. وقد جعلت ملايين الأشخاص، مسلمين وغير مسلمين، يعيدون تقييم حياتهم، ويصححون مواقفهم واتجاهاتهم، ويتخذون قرارات مبدئية تتعلق بحياتهم. ومع شروع المسلمين في إعادة ترتيب أوضاعهم، فإن العديد من الأفراد تعرفوا على الإسلام بفضل التأملات التي أثيرت من أحداث غزة.

ــ ألن يتمكن أحد من إيقاف إسرائيل؟

إن النظر إلى المسألة فقط من خلال معادلة "قوة إسرائيل وضعف المسلمين" قد يضللنا. فالأضرار التي تكبدتها إسرائيل والصهيونية واليهود، تفوق في نسبتها الخسائر التي لحقت بالمسلمين. فقد وصل مستوى الكراهية تجاه إسرائيل والصهيونية واليهود إلى أعلى مستوياته في تاريخ العالم. هناك حالة من الاشمئزاز والنفور على نطاق عالمي الآن. أما النزاعات والانقسامات الداخلية في إسرائيل، فقد بلغت مرحلة من التعقيد لا يمكن حلها. وبرغم الأموال الطائلة التي أُنفقت، وجهود اللوبيات، والحملات الإعلامية المكثفة، فإن مشروع الاحتلال في الأراضي الفلسطينية تحول إلى هروب جماعي من إسرائيل نتيجة شعور عميق بانعدام الأمان والخوف من المستقبل. وهذا ليس بالأمر الهين.

ــ هل المقاطعة تؤتي ثمارها حقًا؟

بالطبع، وبشكل كبير. فقبل "طوفان الأقصى"، كان يُشار إلى فكرة دعم بعض العلامات التجارية الكبرى لإسرائيل على أنها "نظريات مؤامرة". أما الآن، فلدينا أدلة ملموسة لا يمكن دحضها. ولأول مرة، يدرك العالم الإسلامي بوضوح الأوراق الاقتصادية التي يمتلكها. فحتى الأطفال الصغار يحاولون قراءة الملصقات على العبوات أثناء تسوقهم مع آبائهم في الأسواق. ويمكن القول بثقة إن الوعي بالمقاطعة قد ترسخ بشكل قوي خاصة بين الأجيال الجديدة. ولا ينبغي الالتفات إلى التناقضات التي يبديها البالغون غير المسؤولين في الوقت الحاضر، فالأطفال والشباب الذين يتربون على هذا الوعي سيتصرفون بشكل صحيح عندما يحين دورهم في المستقبل.

ــ كيف سنشرح هذه الأمور للناس؟

أولاً يجب أن لا نقع في خطأ الاعتقاد بأن الغالبية العظمى من المجتمع ستكون واعية ومدركة. سنواجه في طريقنا جدالات عقيمة وجهلاً وتطرفاً وسطحية. علينا التركيز على الحقائق والوقائع، والسعي لامتلاك المنصات والمنابر والميكروفونات التي يمكن من خلالها إيصال رسالتنا إلى الجماهير. وسنسعى لتقديم قضايانا بطريقة نوعية وبأسلوب يترك أثراً دائماً وقوياً. يجب ألا ننسى أبداً حقيقة أن مجموعة صغيرة من العقلاء الذين يدركون ما يفعلونه يمكن أن تغيّر مسار المجتمع بأكمله.

ــ ما الذي سيحدث بعد ذلك؟

إن الانزلاق إلى اليأس بالنظر إلى المشهد الحالي لا يجب أن يكون حتى آخر ما نفكر فيه. فإذا تأملنا التاريخ بعناية، سنرى أن العالم الإسلامي قد مرّ بأزمات وكوارث أشدّ من تلك التي نعيشها اليوم ونجح في تجاوزها. وتاريخ المنطقة التي نعيش فيها على وجه الخصوص حافل بالاحتلالات والغزوات والحروب الأهلية والأوبئة والكوارث الطبيعية. إن منطقتنا هي خلاصة كل ذلك. ومثلما كنا موجودين في الماضي، نحن موجودون اليوم وسنكون موجودين في المستقبل. يجب أن ننظر إلى الحياة ومسار التاريخ من هذا المنظور. فعندما نتمكن من النظر بهذه الطريقة، ندرك أهمية العمل من أجل مهام الغد بدلاً من التعلق بآلام الحاضر. وبما أننا لم نختر الزمن الذي خلقنا فيه، فلا خيار لدينا سوى إدراك موقعنا والانتقال بسرعة إلى الواقع.

عن الكاتب

طه كلينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس