ترك برس
أكد السياسي والبرلماني التركي السابق ياسين أقطاي، أن هجمات الإبادة الجماعية التي يشنها الكيان الصهيوني اليوم على غزة، بروح مليئة بالحقد والكراهية والغضب تدفعه إلى طريق لا عودة فيه حتى من وجهة نظره، ورغم أن هذا الطريق قد يؤدي إلى مآسٍ وآلامٍ جسيمة للآخرين، إلا أنه من الواضح أنه يجرّه إلى طريق محتوم نحو الزوال.
وقال أقطاي في مقال بصحيفة يني شفق إنه على الرغم من عدم وجود قوة حالياً قادرة على إيقافه، بل وحصوله على دعم غير محدود من الولايات المتحدة، فإن هذا لا يمنحه شعوراً بالأمان الذي يتوق إليه. ولن يتوقف ما لم يشعر بذلك الأمان. قد يشهد أحيانًا فترات توقف مؤقتة أو تردد، لكن طبيعته ستدفعه دائمًا إلى إنتاج الكراهية، والعداوة، وانعدام الثقة، وجنون الارتياب من حوله. وكل هذه العوامل ستدفعه باستمرار نحو المزيد من العدوانية.
وأضاف: هذه هي خلاصة حقيقة إسرائيل من زاوية أخرى. فوجودها يناقض التاريخ، ويتعارض مع الواقع، والجغرافيا، والإنسانية. فالرؤية الصهيونية التي خلقت إسرائيل تتسم بمشكلات جوهرية في تصورها للتاريخ، والإنسان، والواقع، والجغرافيا، فهي لا تقدم للعالم من حولها سوى العنصرية والاستعلاء، والتي بدورها لا تنتج سوى الاضطرابات، وانعدام الأمان، والحروب، وجنون الارتياب.
وذكر أن هذه السمة في إسرائيل لم تظهر في السابع من أكتوبر أو بعده، بل هي جزء أساسي من الفلسفة التي قامت عليها. فالفلسفة التي تأسست عليها الدولة هي التي دفعتها إلى احتلال الأراضي وارتكاب أعمال عنصرية أدت إلى أحداث السابع من أكتوبر. لقد أشعل المشروع الصهيوني، منذ الحرب العالمية الأولى، النار في كامل المنطقة، وقسّمها واحتلها سعياً لجعل المنطقة بأسرها مهداً لإسرائيل.
وتابع المقال:
لقد فُرض على جميع دول الشرق الأوسط دور خدمة أمن إسرائيل. وقد تم وضع هذا الدور دون اعتبار للإنسانية التي يتمتع بها سكان هذه البلدان، بل تم التعامل معهم على أنهم أقل من البشر، فتم تجاهلهم وتشريدهم وقتلهم، وذلك لكي يتم إعطاء الأراضي التي أخلوها لليهود، الذين اعتبروا هم البشر الحقيقيون، لكي يجعلوها وطنًا لهم. لكن الصهاينة لم يأخذوا في الحسبان أن الوطن بالنسبة لسكان هذه الأراضي لا يقتصر على الأرض والتراب والعقارات، بل هو شيء مقدس يستحق التضحية والموت من أجله.
لقد شكل الفلسطينيون الذين رفضوا مغادرة وطنهم وقدموا حياتهم فداء له، تحديا ومفاجأة كبيرة للصهاينة، حيث أفسدوا كل حساباتهم. ولكن لم يتخل الصهاينة عن محاولاتهم للقضاء على هذا التحدي، بل سعوا بحقد وغضب وكراهية، للتخلص من هؤلاء السكان الذين يصرون على المقاومة، وكلما زادوا في محاولاتهم، ظهر بوضوح الوجه الوحشي والهمجي اللاإنساني لهذا المشروع. فالضحايا الحقيقيون في هذه الحرب هم ليسوا الفلسطينيون الذين يسقطون تحت القصف الإسرائيلي، بل هي الحضارة الصهيونية الصليبية التي تموت بفعل بطولات الفلسطينيين واستشهادهم.
إن عدم القدرة على فهم نشأة إسرائيل وطبيعة غرسها في هذه الأراضي يعني عدم فهم التاريخ أو الإنسانية أو الحضارة الغربية، أو الاستقلال. في الواقع إن إدراكنا لتاريخنا الحقيقي، ولمدى ابتعادنا عن الاستقلال الفعلي، وفهمنا لواقع الاحتلال الذي نعيشه، والتهديدات التي تلاحقنا اليوم، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفهمنا لحقيقة إسرائيل. فإسرائيل ليست مجرد دولة أُنشئت عام 1948 من قبل بعض اليهود المشردين، وتركوها من بعدهم؛ بل إن الأراضي الفلسطينية المحيطة بالقدس قد تم تجهيزها لإسرائيل خطوة بخطوة منذ عام 1917 على يد البريطانيين. وبعد تأسيسها، استمرت في توسيع وجودها تدريجياً على تلك البقع الصغيرة من الأراضي، حتى احتلت قسراً وبالقوة جميع الأراضي الفلسطينية.
منذ اليوم الأول، كانت كل خطوة محسوبة لصالح الصهيونية، وكل ما تم التخطيط له يجري تنفيذه تدريجيًا. هذه الرؤية التوسعية، المعروفة لديهم باسم "أرض الميعاد"، والتي نعتبرها نحن خرافة ومحض هراء، هي بالنسبة لهم خطة حقيقية يصرون على تنفيذها مهما كانت التحديات، ورغم معارضة العالم بأسره. لكن المفارقة المؤلمة تكمن في أن هذا التوسع لا يحدث رغم إرادة العالم، بل بدعم من أقوى قوة عسكرية وغيرأخلاقية في العالم، الولايات المتحدة، وبمساندة غير محدودة من الاتحاد الأوروبي. هذا ليس مزاحاً، فهذه النبوءات التي نعتبرها خرافات هي بالنسبة للصهاينة، ولحلفائهم من الأمريكيين والأوروبيين الذين يقدمون لهم دعما غير محدود، هوس عقائدي، ولا يترددون في الإعلان عنه، بل إنه يُكشف بشكل واضح في كل مرحلة من هذا الصراع، حتى في أوج الحرب.
إنهم لا يحكون لأطفالهم حكايات تاريخية مختلقة وأساطير خيالية قبل النوم كما نفعل نحن. بل يسعون لإبقاء ما يسمونه "أرض الميعاد" حياً في أذهانهم، رغم أن هذه الحكايات مختلقة منذ العصور القديمة، إلا أنهم يحيونها بروح من الأحقاد القديمة، ويغذونها بثارات الدماء الناتجة عن هذه الروايات وبتلقينات عنصرية قائمة على الانتقام والرغبة في الاستعباد. إنه نظام تعليمي كارثي على الإنسانية، لأنه يزرع الكراهية والحقد ورغبات الانتقام تجاه الآخرين، باستمرار. ولكن هذا هو واقعهم للأسف.
إذا نظرتم إلى مسار تطور دولة علمها ذاته يحتوي على نجمة داود وبينها خطان يمثلان نهرين، فهل يصعب أن نتوقع نواياها وخططها المستقبلية؟. إن إسرائيل اليوم، تمثل مشكلة للبشرية جمعاء بسبب جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها بحق الإنسانية. لكن الإصرار على عدم رؤية التهديد الذي تشكله لإسرائيل على تركيا، كجسم مادي حقيقي يقترب نحو تركيا، يعد غفلة وضلالة، بل وحتى خيانة.
إن تصريحات الرئيس أردوغان التي قال فيها: "إن المكان الذي ستستهدفه إسرائيل، بعد فلسطين ولبنان، بناءً على التفسيرات المحرَّفة للتوراة وبروح من التطرف الديني المطلق، سيكون تركيا... إن إسرائيل تحلم بأراضٍ تشمل الأراضي التركية." هي في الواقع تُعبر عن هذا التهديد بأخف صورة ممكنة. إنه تهديد يجب على كل تركي، وكل مسلم، بل وكل إنسان يعيش في تركيا أن يدركه ويحدد موقفه وصفه تجاهه.
وليس مجرد ادعاء فارغ أن تنظيم "بي كي كي" الإرهابي وامتداداته يتم تغذيتها من قبل الولايات المتحدة منذ أربعين عامًا داخل تركيا وسوريا على مدى 40 عامًا، متجاهلةً معاهدات الناتو والاتفاقيات الحليفة، إنها الحقيقة ذاتها. فهل نعتبر من لا يستطيع فهم هذه العلاقة غافلاً أم جاهلاً أم خائناً؟
فما الذي يمكن أن نقوله لمن لا يدرك الخطر الذي يشكله هذا الكيان الذي يمثل تهديدًا للإنسانية جمعاء، والذي لم يجلب لتركيا سوى الأذى منذ تأسيسه، والذي يعتزم بوضوح ضم تركيا إلى أراضيه بحسب مخططه، والذي يهاجم الجميع حاليًا ككلب مسعور؟"
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!