ترك برس

يرى الكاتب والإعلامي التركي سليمان سيفي أوغون، أن الدعوة التي وجهها رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، في خطابه أمام البرلمان التركي، تجاه زعيم تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي المسجون عبد الله أوجلان، رفعت مستوى التوتر السياسي إلى ذروته.

وقال أوغون في مقال بصحيفة يني شفق إن ما يثير الانتباه هو أن هذه الدعوة جاءت من أعلى شخصية في حزب ذي جذور قومية تركية عميقة، ويتضح أن هناك سياسة دولة تقف وراء هذا التحرك، فلا يمكن اعتباره مجرد استراتيجية من تحالف الجمهور فقط. ومن غير الممكن أن تقدم أي حكومة في تركيا على خطوة كهذه بمفردها. هذا الخطاب لا بد أنه جاء نتيجة لسلسلة من المشاورات والتفاهمات بين مؤسسات الدولة والحكومة.

ورأى الكاتب أن الإرهابي عبد الله أوجلان، زعيم تنظيم بي كي كي الإرهابي المحتجز منذ 25 عامًا في سجن إمرالي، سيشارك في اجتماع حزب "DEM" ويدعو تنظيمه للتخلي عن السلاح. مقابل ذلك، سيتم تخفيف العزلة المفروضة عليه، ومن المتوقع تعديل القوانين للسماح له بقضاء باقي عقوبته تحت الإقامة الجبرية. لكن نجاح هذا السيناريو يتطلب أولاً موافقة عبد الله أوجلان، ثم موافقة حزب "DEM"، الذي سبق أن أعلن دعمه الكامل له، وأخيرًا موافقة القيادة الجماعية في جبال قنديل.

وأوضح أنه إذا رفض الإرهابي عبد الله أوجلان الاستجابة لهذه الدعوة، فلن يكون هناك خطوات أخرى يمكن اتخاذها، لكن أرى أن هذا الاحتمال ضعيف جدًا. ففي مرحلة "عملية السلام"، سبق لأوجلان أن أصدر بيانًا يؤيد فيه سياسات الدولة. لا أعتقد أنه سيختار مسارًا مختلفًا في الوقت الحالي. المحك الرئيسي سيكون في ردود فعل حزب "DEM" وقادة قنديل، حيث ستتضح حقيقة الموقف بناءً على تفاعلهم مع هذه الدعوة.

وتابع المقال:

بصراحة، لا أعتقد أن حزب "DEM" يستحق الكثير من الاهتمام. فقد تأسس كامتداد مسلح، مما يجعله مختلفًا عن حزب "شين فين" الإيرلندي. ففي إيرلندا، لم يؤسس حزب "شين فين" الجيش الجمهوري الإيرلندي، بل العكس هو ما حدث. في هذه الحالة، لا أعتقد أن حزب "DEM" لديه القدرة على تطوير سياسة مستقلة عن تنظيم بي كي كي الإرهابي. المسألة ترتبط بشكل كبير بمدى استمرار سيطرة الإرهابي عبد الله أوجلان على تنظيم بي كي كي /واي بي جي الإرهابي. في النهاية، ستتضح الحقيقة من خلال ما إذا كانت التصريحات العلنية ستُترجم إلى أفعال على أرض الواقع.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل كان الإرهابي عبد الله أوجلان أكثر تأثيرًا عندما كان يقود تنظيمه من وادي البقاع أو دمشق، أم أنه الآن أكثر تأثيرًا وهو محتجز في سجن إمرالي؟ لا شك أن اعتقاله والحكم عليه بالسجن المؤبد والعزلة ساهم في تعزيز كاريزميته. في الحقيقة، الكاريزما غالبًا ما تنمو في ظل الغياب. عبد الله أوجلان يُنظر إليه الآن وكأنه رمز سياسي مقدس.

في تجربتي المحدودة في جنوب شرق البلاد، التقيت بأشخاص يقولون "ما هو تنظيم بي كي كي الإرهابي؟ أنا أوجلاني حتى الموت"، وكنت مندهشًا من هذا الإيمان القوي. أحدهم أشار إلى تل بعيد عند غروب الشمس، وقال لي إن ظل أوجلان يظهر هناك. هذا يعبر عن المعنى الحقيقي للكاريزما في علم الاجتماع.

الكاريزما ليست شيئًا يُكتسب ذاتيًا، بل هي شيء يُمنح من قِبل المتابعين. بمعنى آخر، الكاريزما لا تتشكل من الشخص نفسه، بل تأتي من الإيمان والولاء الذي يمنحه له الآخرون. المثل الشائع في ثقافتنا "الشيخ لا يطير، بل مريده هو الذي يطيره" يعبر بدقة عن هذا المفهوم، حيث يُظهر كيف أن تأثير الشخص ينبع من نظرة أتباعه إليه وإيمانهم بقدرته، وليس من قوته الشخصية وحدها.

الكاريزما في الحياة الواقعية غالبًا ما تكون أقل تأثيرًا مما تبدو عليه في الخطاب. فكلما زادت قوة الشخصية الكاريزمية في الخطاب، كلما ضعفت على أرض الواقع. وينطبق هذا على الإرهابي عبد الله أوجلان، فرغم أنه يُصوَّر في الخطاب على أنه الزعيم بلا منازع لتنظيمه، إلا أن الواقع قد يكون مختلفًا تمامًا. قد يكون تأثيره الفعلي الآن أقل مما يتم تصويره، حيث يعتمد نفوذه إلى حد كبير على الخطاب المحيط به وليس على قوته الحقيقية على الأرض.

على مدار ربع القرن الماضي، أرى أن هناك ديناميكيتين رئيسيتين ساهمتا في تآكل زعامة الإرهابي عبد الله أوجلان. الأولى داخلية، حيث شهدت الحياة الاجتماعية والثقافية للمواطنين الأكراد تحولًا كبيرًا. يعيش الآن جيل جديد من الأكراد في تركيا، بعيدًا عن الجبال ومتأقلمًا مع الحياة الحضرية والاستهلاكية. احتياجاتهم النفسية والاجتماعية والثقافية تختلف تمامًا عن الأجيال السابقة. صعود شخصية مثل صلاح الدين دميرتاش يمثل خروجًا واضحًا عن الرموز الكردية التقليدية، ويعكس هذا التغيير. سعي دميرتاش لجعل حزبه " يتبنى هوية تركية شاملة" كان محاولة للوصول إلى هؤلاء الأكراد المتحضرين.

دميرتاش، تحت شعار "تركيبة تركيا"، قاد تحولًا ثقافيًا وأيديولوجيًا مستوحى من اليسار الأمريكي الجديد (WOKE). في المقابل، كان الإرهابي عبد الله أوجلان يحاول السير في هذا الاتجاه أيضًا من خلال قراءته لمفكرين مثل موراي بوكتشين، لكن عزله في السجن حال دون تمكنه من إيصال أفكاره بشكل كامل. ومع ذلك، لم تكن الأفكار اليسارية الحضرية متماشية مع واقع الكفاح المسلح في الجبال. بينما نجح دميرتاش في التوفيق بين هذا التحول وحياته السياسية، وتمكن حزبه من تحقيق نجاح نسبي بحصوله على 13% من الأصوات. رغم ذلك، لم يكن دميرتاش واثقًا من استمرارية هذا التحالف بين اليسار الحضري والأكراد الانفصاليين.

بينما كان دميرتاش يعمل على "أمركة" الحركة الكردية من الناحية الثقافية والأيديولوجية، كان قادة قنديل يطبقون هذا النهج على المستوى العسكري. أظهرت أحداث الخنادق مدى التعاون الوثيق بين دميرتاش وقادة قنديل. أما أصدقاء الإرهابي عبد الله أوجلان القدامى، الذين أداروا مكتبه في غيابه، فقد أدركوا أن زمن أوجلان قد انتهى. تنظيم بي كي كي الإرهابي أصبح بالكامل تحت سيطرة القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM). لم يعد الإرهابي عبد الله أوجلان هو صاحب القرار، بل الجنرال مايكل إريك كوريلا هو الذي يحدد التوجهات الآن.

الحقائق الجيوسياسية الجديدة التي تواجه الحركة الكردية الانفصالية جعلت النهج القديم المتبع في السبعينيات، والقائم على مناهضة الإمبريالية، يبدو باليًا وغير ملائم. بات واضحًا أن الطريق المسدود لم يعد يترك لهم خيارات أخرى.

أعتقد أن الدعوة التي أطلقها دولت بهتشلي ستؤدي إلى نتائج متعددة الأبعاد على المدى البعيد، ومن الصعب تغطية جميع هذه النتائج في مقال واحد. لقد بدأت بالحديث عن المرحلة التي نعيشها حاليًا، والتي نسميها "اختبار القيادة" للإرهابي عبد الله أوجلان. إذا فشلت كلماته في تحقيق التأثير المطلوب كما حدث في عملية السلام، فسوف يُعتبر شخصية سياسية ميتة. أما إذا نجح، من خلال قوته الكاريزمية، في قيادة تنظيمه نحو التخلي عن السلاح، فسيكون ذلك موضع ترحيب. وهناك احتمال ثالث، وهو أن ينقسم التنظيم إلى جناحين: "الأوجلانيون" والباقون.

سنستمر في متابعة التطورات عن كثب...

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!