ترك برس
تناول مقال تحليلي للخبير والمحلل السياسي التركي إسماعيل ياشا، أبعاد المبادرة التي أطلقها رئيس حزب الحركة القومية في تركيا، دولت بهتشلي، حليف الرئيس رجب طيب أردوغان، فيما يتعلق بالقضية الكردية.
وقال ياشا في مقاله بصحيفة "عربي21" إن بهتشلي فجّر مفاجأة من العيار الثقيل في 22 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حين دعا في كلمته أمام نواب حزبه إلى إطلاق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في جزيرة إمرالي، عبد الله أوجلان، والسماح له بإلقاء كلمة في البرلمان التركي أمام نواب حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، ليعلن فيها حل المنظمة الإرهابية الانفصالية التي أسسها قبل 45 عاما في قرية فيس التابعة لقضاء ليجه بمحافظة ديار بكر.
ويرى الكاتب أن بهتشلي ليس زعيما سياسيا عاديا، بل هو رئيس حزب يمثل القوميين الأتراك، ويدعم الحكومة التركية، كما أنه من أبعد الناس عن التساهل في محاربة الإرهاب الانفصالي، ولا يمكن الطعن في وطنيته ومدى حبه لبلاده. ولذلك، يرى كثير من المحللين أن المبادرة التي أطلقها ليست اقتراحا شخصيا للاستهلاك الإعلامي، بل إنها خطوة إستراتيجية للدولة التركية مبنية على قراءة عميقة للتطورات الإقليمية الأخيرة، واستشراف لمستقبل المنطقة، وتخطيط لحماية أمن تركيا القومي ومصالحها العليا.
وأوضح أن الرأي العام التركي يناقش الآن مبادرة بهتشلي التي يصفها البعض بـ"التاريخية". ومن الصعب لكثير من القوميين الأتراك تقبل فكرة إطلاق سراح مؤسس المنظمة الإرهابية الانفصالية ليلقي كلمة في البرلمان التركي، حتى وإن أعلن في تلك الكلمة إلغاء حزب العمال الكردستاني. كما أن هناك سؤالا كبيرا يطرح نفسه وهو: "هل يملك أوجلان قدرة على حل حزب العمال الكردستاني وإنهاء أنشطته المسلحة؟".
وتابع المقال:
أوجلان تم اعتقاله في مطار نيروبي وتسليمه إلى تركيا في شباط/ فبراير 1999، بعد أن طرده حافظ الأسد من سوريا خوفا من تهديد أنقرة. وفي طريقه من كينيا إلى تركيا، قال لرجال الاستخبارات التركية إنه مستعد لخدمة تركيا. ومنذ ذاك التاريخ يقود حزب العمال الكردستاني آخرون، على رأسهم مراد قارايلان. كما أن الولايات المتحدة، الداعم الأكبر للمنظمة الإرهابية، تملك نفوذا كبيرا في قراراتها. وبالتالي، يكاد يستحيل القول بأن أوجلان يمكن أن ينهي أنشطة حزب العمال الكردستاني من خلال الإعلان عن حل المنظمة.
مبادرة بهتشلي في حقيقتها دعوة للأكراد الموالين لحزب العمال الكردستاني إلى التخلي عن حلم الانفصال، والانخراط في العمل السياسي بدلا من أن يكونوا معاول هدم بيد الولايات المتحدة وإسرائيل لتفتيت دول المنطقة. ولا تهدف على الإطلاق إلى تخلي القوات التركية عن مكافحة الإرهاب أو جلوس الحكومة التركية على طاولة المفاوضات مع المنظمة الإرهابية.
رئيس حزب الحركة القومية واصل تصريحاته لشرح المفاجأة التي فجرها حتى لا يساء فهمها، وذكر أن "التركي الذي لا يحب الأكراد ليس تركيا، وأن الكردي الذي لا يحب الأتراك ليس كرديا"، في إشارة إلى روابط الأخوة التي تجمع الأتراك والأكراد. كما لفت الأنظار إلى ضرورة استخدام أساليب جديدة في مكافحة الإرهاب أكثر حزما من الاستراتيجية ذات النمط القديم، لضرب الرافضين لإلقاء السلاح. وفي ظل هذه التصريحات، تبدو مبادرته كـ"إنذار أخير قبل الضربة القاسية".
قادة حزب العمال الكردستاني الذين يقودون المنظمة الإرهابية منذ اعتقال أوجلان مستاؤون من مبادرة بهتشلي، ومن المؤكد أن هذه المبادرة أربكت أيضا حسابات الداعمين لحزب العمال الكردستاني ومشغِّليه، ودفعهم إلى الإسراع في الرد عليها من خلال الهجوم الإرهابي الذي استهدف مقر شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية "توساش" في العاصمة أنقرة، بهدف إفشالها.
كانت الحكومة التركية أجرت مفاوضات مع حزب العمال الكردستاني ما بين عامي 2013 و2015، من أجل إنهاء القتال بين المنظمة الإرهابية والقوات التركية، إلا أن تلك المفاوضات التي أطلق عليها "عملية السلام" انتهت بالفشل، واستغلها حزب العمال الكردستاني لتعزيز تواجده المسلح في المدن التركية. ومن المؤكد أن مبادرة بهتشلي ليست نسخة أخرى لتلك العملية التي دفعت تركيا ثمنها غاليا، إلا أن قادة حزب العمال الكردستاني والموالين للمنظمة الإرهابية يعتبرون هذه المبادرة فرصة جديدة للتفاوض مع الحكومة التركية والمطالبة بتخلي القوات التركية عن مكافحة الإرهاب، دون أن يتخلى حزب العمال الكردستاني عن سلاحه ولا أهدافه الانفصالية.
تركيا تسعى حاليا إلى تعزيز جبهتها الداخلية من أجل التفرغ لمواجهة التحديات الخارجية، وطي صفحة الإرهاب الانفصالي في أراضيها. ولم يبق داخل تركيا إلا عدد قليل من عناصر المنظمة الإرهابية، كما أن الجيش التركي قام بتضييق الخناق على تحركات عناصر حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، من خلال عملياته العسكرية. وبالتالي، لا يأتي الخطر الأكبر لأمن تركيا واستقرارها من داخل أراضيها ولا من شمال العراق، بل من الأراضي السورية. ولذلك، لا يمكن لتركيا إنهاء الإرهاب الانفصالي دون القضاء على أوكاره التي تحميها القوات الأمريكية والروسية، وإنهاء احتلال المنظمة الإرهابية على المدن والبلدات والقرى العربية في شمال سوريا وشرقها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!