د. علي محمد الصلابي - خاص ترك برس
الأقليات مصطلح يُراد به العدد القليل أو الأقل بالنسبة إلى العدد الكثير، أو الأكثر من المواطنين المنتمين لفئة معينة، والذين يعيشون في دولة واحدة وإقليم واحد، وهو مصطلح جديد إلى حد ما، بالنظر إلى ظهور الفئات الدينية والطائفية والعرقية قليلة العدد، في بلاد يكون أكثر سكانها مخالفين لهذه الفئات في الدين أو المذهب أو اللغة أو العادات والتقاليد.
وكثيراً ما يُنظر إلى هذه الأقليات على أنها فئة لا تضاهي الأكثرية من حيث مزاولة حق المواطنة، واستحقاق آثارها وامتيازاتها، وذلك لأسباب عدة منها ضعف الأقلية ومحدودية تأثيرها في المحيط الاجتماعي والسياسي، وفقدانها للسلطة والقرار، أو لأسباب رغبة الأكثرية في مناصرة بعضهم بعضاً، والانحياز إلى ذويهم وأنصارهم، ومسايرة منطق الغلبة العددية المفضية إلى الغلبة المعنوية والمادية، والتي تؤول إلى امتلاك القوة، وحيازة أسبابها ومفاتيحها.
ولذلك تُطرح مسألة المواطنة كأحد الصيغ الضرورية؛ لمعالجة ثنائية الأكثرية والأقلية في إطار المواطنة التي لا تكون فيها الأكثرية متغلبة على الأقلية، وإنما تكون متكاملة بها، ومتعاونة معها بالمساواة والعدالة، وتكافؤ الفرص والأسباب في استحقاق الغنائم الوطنية والمنافع الطبيعية والحقوق الإنسانية، كما تناط مسألة الوطنية بعبارة الحق الذي يقيد هذه المواطنة، ويحدها بمدلوله ومجاله، فهي مواطنة تجلب حق المتصف بها، ومواطنة تجعل الأقلية مرادفة للأكثرية في قانون الاستحقاق القائم على الجهد والعمل والحاجة والضرورة، وليس على تمييز الأكثرية واستضعاف الأقلية، وتقليل استحقاقها أو منعه أو إبطاله، وهذا كفيل بتحقيق كرامة الأقلية، وإحساسهم بقبول الأكثرية لهم، سواء بالقانون والقضاء والسلطة، أو بالموافقة الاجتماعية والمقبولية الطوعية والإرادية، وهو ما يكسبهم الثقة بأنفسهم، وذوق طعم الانتماء الوطني، والانخراط المدني، ولهذا كله آثاره الهائلة في تحقيق الأمن والإنتاج، والإسهام في المجموع الوطني والإنساني، ثم إن تقرير كرامة الأقلية إنما هو تقرير لكرامة الأكثرية للاشتراك في أصل الإنسانية أولاً، ولمراعاة سنة التداول والتدافع، ولاعتبار قاعدة المساواة بين الأكثريات والأقليات الموزعة على الأرض، والمتعايشة بعضها مع بعض في تقلبات كثيرة، وطريقة يتحول فيها الأكثر إلى الأقل، وينتقل الأقل المحكوم والخائف إلى الأكثر الحاكم والسائد، وتلك سنة الله تعالى في خلقه وعباده: ِ{وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140] . (المواطنة والوطن، الصلابي، ص66).
وربما تكون للأقلية في بلد ما أكثريتها في بلد آخر ، فتعامل هذه الأكثرية أقلية أخرى بما عوملت به أقليتها في غير بلدها، فيكون لذلك أثره في تقرير المساواة، وفي حمل الناس على المعاملة بالمثل من الناحية الإيجابية بتقدير حق الأقليات واحترام كرامتها، وتمكينها من منافعها، ودرء العقد والهزائم النفسية عليها، وينبغي أن تقوم ثنائية الأكثرية والأقلية على رابطة الإنسانية والمواطنة، والتي تكون معيارها المحدد لها، والضابط لمسيرتها الحياتية، ولمجموع حقوقها الفطرية والمكتسبة، المدنية والسياسية المادية والمعنوية، وهذا الاتحاد في الحقيقة الإنسانية والمواطنية لا يلغي الخصوصية والتميز والتفرد بما هو ذاتي وخاص في الدين والحضارة، وفي الفهم والسلوك، وإنما يؤطر هذه الخصوصية ضمن الحقيقة الواحدة، وفي إطار من التعايش والتكامل لا التصادم والتقاتل، وتنزيل هذا يتوقف على مقاربته الاجتهادية الدقيقة، وموازنته العملية الممكنة والمتاحة، والتي تختلف صيغها باختلاف الزمان والمكان والحال (حقوق الإنسان مقاصد الشريعة، الخادمي، ص265).
المراجع:
الوطن والمواطنة في الدولة الحديثة المسلمة، علي الصلابي، دار ابن كثير، ط1، 2014م.
حقوق الإنسان مقاصد الشريعة، نور الدين الخادمي، دار البحوث والدراسات، ط1، قطر، 2011م.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس