طه كلينتش - يني شفق

توفي كريم الحسيني، المعروف بـ"الآغا خان الرابع" زعيم الطائفة الإسماعيلية النزارية وهي أهم طوائف الشيعة الإسماعيلية، عن عمر يناهز 88 عامًا. قضى الآغا خان أيامه الأخيرة في العاصمة البرتغالية لشبونة، وكان شخصية بارزة على الصعيدين الاجتماعي والثقافي العالمي، حيث اشتهر بأعماله الخيرية والثقافية، بالإضافة إلى مشاريعه الضخمة في مجال الترميم من خلال مؤسسته، فضلاً عن الجائزة المعمارية الشهيرة التي حملت اسمه، إلى جانب التاريخ المثير للاهتمام للهيئة الدينية التي يقودها وهيكلها الباطني.

وتنسب الطائفة النزارية إلى نزار الابن الأكبر للخليفة الفاطمي المستنصر بالله. وبعد مقتل نزار عام 1095، كان حسن الصباح، الزعيم الشهير للحشاشين، الأب الروحي للطائفة النزارية وأبرز الدعاة المؤسسين لها في العالم الإسلامي، وخاض النزاريون صراعات مستمرة مع الدول والإمبراطوريات الكبرى، ولكنهم أقاموا علاقات جيدة مع أسرة القاجار التي حكمت إيران بعد الصفويين. وفي عام 1817، تزوج حسن علي شاه، الإمام النزاري السادس والأربعون، من سروي جيهان بيجوم، ابنة الشاه فتح علي شاه القاجاري، ليمنح لقب "الآغا خان". وكان مركز النزارية في إيران، لكن في عام 1844، عندما انتقل حسن علي شاه إلى مدينة مومباي الهندية، انتقلت قيادة النزارية إلى شبه القارة الهندية التي كانت تحت السيطرة البريطانية.

وبعد فترة قصيرة من إمامة شاه علي شاه "الآغا خان" الثاني بين عامي 1881 و1885، تولى سلطان محمد شاه، الذي كان في السابعة من عمره، إمامة النزارية ليصبح "الآغا خان" الثالث. واستمر في هذا المنصب لمدة 72 عامًا حتى عام 1957. وخلال فترة حكم سلطان محمد شاه ارتقت علاقات النزارية مع بريطانيا إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. ولعب الآغا خان سلطان محمد شاه دورا مثيرا للاهتمام في تاريخ تركيا الحديث.

وفي 24 نوفمبر 1923، وجَّه كل من آغا خان رئيس الجمعية الإسلامية في لندن الأمير علي، اللذان كانا يتحركان بتوجيه من بريطانيا، رسالة إلى رئيس الوزراء عصمت إينونو يطلبان فيها من الحكومة التركية الجديدة عدم إلغاء الخلافة. إلا أن الرسالة، قبل أن تصل إلى مكتب إينونو في أنقرة، تسربت إلى الصحافة في إسطنبول، مما دفع الحكومة إلى عقد جلسة سرية لمناقشة الأمر في 8 ديسمبر، أسفرت عن قرار بتجاهل الرسالة، واعتقال الصحفيين الذين قاموا بنشرها، والمضي قُدُمًا في إلغاء الخلافة على الفور. وما حدث بعد ذلك معروف للجميع.

وقد قام الآغا خان سلطان محمد شاه قبل وفاته عام 1957، بكتابة وصية ونشرها، عيَّن فيها حفيده الأمير كريم، وهو ابن ابنه علي، ليكون"الآغا خان الرابع" والإمام التاسع والأربعون للنزاريين، متجاوزا ولديه علي وصدر الدين. وكان الأمير كريم، الذي ولد في جنيف بسويسرا وتلقى تعليمًا جيدًا، يبلغ من العمر 20 عاما آنذاك.

تولى الأمير كريم آغا خان مهمة لم يكن يتوقعها ولم يكن مستعدًا لها، واستطاع ببراعة أن يستغل العلاقات التي أقامها جده مع بريطانيا، ليصبح شخصية ذات شهرة عالمية. وفي عام 1967، أسس "مؤسسة آغا خان"، وفي عام 1977، أطلق جائزة في مجال العمارة تحمل اسمه، والتي أصبحت خلال فترة وجيزة واحدة من أرقى جوائز العمارة عالميًا. وكان الأمير كريم آغا خان يلعب دورًا نشطًا في العديد من المجالات، من ترميم الآثار التاريخية إلى تقديم المساعدات الإنسانية في المناطق المنكوبة، ومن الاستثمارات المالية إلى المؤسسات التعليمية والثقافية. لكنه في الوقت ذاته، كان الزعيم الروحي لجماعة تتبنى تأويلات باطنية للعديد الأحكام والتشريعات الإسلامية.

ويُقدَّر العدد الإجمالي لأتباع الطائفة النزارية حول العالم بحوالي 20 مليون نسمة. غير أن هذه الجماعة، بفضل الشبكة الهائلة ورفيعة المستوى التي أسَّسها الأمير كريم الآغا خان، تجاوز نفوذها بكثير حدود تعدادها الفعلي. وعند النظر إلى مجالات أنشطتهم الممتدة من الشرق الأوسط إلى آسيا، ومن أوروبا إلى إفريقيا، يبرز أمامنا بوضوح عامل مشترك: الولاء المطلق لبريطانيا وخدمة مصالحها. فمنذ أوائل القرن التاسع عشر، ساهمت هذه الروابط الوثيقة في الحفاظ على النفوذ البريطاني في المناطق النائية كما كان في السابق، وخاصة في آسيا، حيث تظهر بجلاء تداعيات هذا النفوذ. ولا نبالغ إذا قلنا إن العقلية الاستعمارية البريطانية وجدت في آغا خان وجماعته أداةً بارعةً لتلميع صورتها، فبعد أن نهبت ثروات البلاد المستعمَرة بلا حدود، لجأت إلى تغليف سياساتها بغطاء "الأعمال الخيرية" والمساعدات الاجتماعية.

وخلاصة القول، رغم أن الأمير كريم الآغا خان لم يستطع تحطيم الرقم القياسي لجده في الإمامة الذي استمر 72 عامًا، إلا أن استطاع خلال فترة إمامته التي دامت 68 عامًا، أن يحقق مكانة هامة في تاريخ النزارية. كما أنه أصبح شخصية ستذكرها كتب التاريخ الحديث للإمبراطورية البريطانية مرارا وتكرارا.

عن الكاتب

طه كلينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس