ترك برس

تناول مقال تحليلي للكاتب والخبير التركي يحيى بستان، خطة التهجير التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن فلسطين، مشيرا إلى الدور الرئيسي لتركيا والمملكة العربية السعودية في مواجهة هذه الخطة.

وقال بستان في مقاله بصحيفة يني شفق إن المسألة لا تقتصر فقط على غزة والتهجير فحسب، بل تمتد إلى الضفة الغربية، حيث أعلن ترامب صراحةً أن ضم الضفة "سيحدث حتمًا"، وهذا مشروع يهدف إلى القضاء على فلسطين تمامًا.

كما أن ترامب يشجع نتنياهو على تصعيد العنف، حين يهدد بإلغاء اتفاق وقف إطلاق النار، و"فتح أبواب الجحيم" في غزة إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، وهكذا تستخدم الحروب والصراعات كوسيلة للضغط على الدول العربية. وفقا للكاتب التركي.

وذكر بستان أن نجاح مشروع التهجير الذي يطرحه ترامب يعتمد على موقف أربعة دول، اثنتان منها معنيتان مباشرةً بالقضية: الأردن ومصر، اللتان ستتأثران ديموغرافيًا واقتصاديًا وسياسيًا.

وتابع المقال:

عندما طُرِح هذا المخطط لأول مرة من قبل إسرائيل، اعتبرته مصر سببًا كافيًا لشنّ الحرب. أما الآن، فقد لا ترد على ترامب بنفس الحدة، لكنها تبدي مقاومة واضحة. فقد أعلنت القاهرة عن اجتماع طارئ لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، كما قررت الجامعة العربية عقد قمة عاجلة. وفي خطوة لافتة، أرجأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارته المقررة إلى واشنطن في 18 فبراير. أما العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، فيبدو أنه لا يرغب في التعرض لضغوط علنية كتلك التي واجهها في لقائه الأخير مع ترامب أمام عدسات الكاميرات.

وقد صرح ترامب خلال لقائه مع عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، قائلاً: "سوف ندير غزة ونحتفظ بها" إلا أن الملك عبد الله شدد على ضرورة انتظار الخطة التي ستطرحها مصر، والاجتماع المرتقب في الرياض. وهذا يشير إلى أن الدول العربية تعتزم طرح سياسة موحدة وخطة مشتركة، ويُقال إن جوهر هذه السياسة يقوم على إعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، والتمسك بحل الدولتين كشرط أساسي.

موقف أنقرة واضح

والدولتان الأخريان هما تركيا والمملكة العربية السعودية. تتمتع تركيا بثقل خاص وقدرة تخريبية في المنطقة. إن نهج أنقرة تجاه هذه القضية واضح. وقال الرئيس أردوغان إن هذا الاقتراح مضيعة للوقت.

أما الدولتان الأخريان المعنيتان فهما تركيا والمملكة العربية السعودية، إذ تتمتع تركيا بثقل استراتيجي وقدرة على تعطيل المسارات السياسية في المنطقة. وقد جاء موقف أنقرة واضحًا، حيث صرّح الرئيس رجب طيب أردوغان بأن هذا المقترح " ليس فيه ما يستحق المناقشة"

وفي ظل اعتماد السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط على مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل، فالرياض تمتلك قدرة على التفاوض وإقناع ترامب. ولذا كما أشرنا سابقًا، فإن العامل الحاسم في هذه القضية هو الموقف الذي ستتخذه الرياض.

لقد كانت بداية علاقتنا مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، متوترة بسبب التحالف العالمي وسجلها في قضية مقتل خاشقجي. ولكن تُظهر المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة أداءً لا بأس به.

فرغم الضغوط الأمريكية، جلست الرياض على طاولة المفاوضات مع طهران في بكين، وتوصلت إلى اتفاقات معها، وقدمت طلبًا للانضمام إلى مجموعة "بريكس" رغم عدم حصولها على العضوية بعد. وعندما تولى ترامب الرئاسة، طالب السعودية باستثمارات بقيمة تريليون دولار، ورغم أن ابن سلمان لم يرفض ذلك علنا، إلا أنه بات أكثر حرصًا على اتباع نهج تفاوضي يراعي مصالح بلاده الوطنية.

الجدل بين الرياض وتل أبيب

تقول الرياض لواشنطن: "أنا مستعدة للتعاون معك، وقيادة الدول العربية في المنطقة والتطبيع مع إسرائيل. لكن لدي بعض الشروط. أود الحصول على نفس المظلة الأمنية التي تقدمها لإسرائيل، وأريد العمل في المجال النووي المدني. وأنتظر على الأقل إعلانًا واضحًا عن نية حل القضية الفلسطينية وفقا لحل الدولتين." ولكن سياسة التهجير والضم تتعارض مع هذا الإعلان عن النية.

ما حدث في الأيام القليلة الماضية عزز سياسة الرياض. فقد طرحت الرياض تصريحات هي الأولى من نوعها منذ عقود، حيث اجتمع مجلس الوزراء برئاسة محمد بن سلمان وأعلن رفضه لسياسة التهجير. وردًا على تصريح نتنياهو بأن الفلسطينيين إذا أرادوا دولة يمكنهم تأسيسها في السعودية، صرحت الرياض قائلة: "نرفض بشكل قاطع التصريحات المتطرفة التي صدرت عن إسرائيل". وهذا يُعد بأدنى وصف، جدلًا لفظيًا حادًا.

العودة إلى القضية العربية الإسرائيلية بعد سنوات

لقد كانت إسرائيل تتبع استراتيجية طويلة الأمد في حربها النفسية، حيث عملت على تقليص حجم الأزمة الإقليمية على المستوى الخطابي لتتمكن من حل قضية فلسطين كما تريد. فقد بدأت كأزمة العرب مع إسرائيل، ثم تحولت إلى توتر إسرائيلي فلسطيني، ثم صورته في النهاية على أنه نزاع مع حماس. ومن خلال تصغير حجم الصراع، تمكنت إسرائيل من إضعاف جبهة المعارضة وواصلت هجماتها بشكل مستدام.

ولكن مع مخطط الترحيل هذا، يبدو أن القضية تعود إلى مرحلة التوتر العربي الإسرائيلي. والاحتدام بين الرياض وتل أبيب يلمح إلى ذلك. وإذا تم إبقاء القضية في سياق التوتر العربي الإسرائيلي فإن ذلك سيساهم في تخليص الفلسطينيين من عزلتهم، ويقوي جبهة المعارضة لإسرائيل، ويحمّل الدول العربية الشريكة في هذه القضية مسؤوليات كبرى. يجب علينا بدورنا أن ندعم هذا المسار.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!