![](https://www.turkpress.co/sites/default/files/field/image/ekrem-imamoglu-otobus-2.jpg)
صالحة علام - الجزيرة مباشر
في تطور لافت لفحوى خطابها الإعلامي، وتصريحات مسؤوليها، صعدت أحزاب المعارضة التركية من حدة هجومها على حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومن انتقاداتها لسياسة حكومته على الصعيدين الداخلي والخارجي.
التصعيد غير المسبوق من جانب المعارضة يأتي لسببين، أولهما الرد على جملة من الإجراءات الإدارية والقانونية التي أصدرتها الحكومة مؤخرا بحق بعض قيادات المعارضة والموظفين العموميين المنتمين لأحزابها، وثانيهما لإجبارها على الذهاب لانتخابات عامة مبكرة، وتحديدا في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري، وفق ما أعلنه حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة.
توظيف المعارضة للأحداث الداخلية والخارجية
حملة المعارضة ضد الحكومة زادت حدتها في أعقاب عدد من الأحداث المتتابعة، تم توظيفها لخدمة أجندتها، وتحقيق مساعيها الرامية إلى إسقاط الحكومة، والدعوة لانتخابات مبكرة، استثمارا لما حققته من نجاحات في الانتخابات المحلية الأخيرة، وتفوقها على العدالة والتنمية بما حصدته من بلديات كبرى، وسيطرتها على مجالس إدارات عدد كبير من البلديات المتوسطة والصغيرة الحجم.
إذ تم توظيف إدلاء أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، ورئيس اتحاد البلديات التركية بشهادته في سلسلة القضايا المرفوعة ضده، توظيفا سياسيا ودعائيا لحزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه إمام أوغلو، مع تجاهل تام للاتهامات الموجهة إليه من جانب المدعي العام.
اتهامات تشمل “التعدي لفظيا على أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات”، وهي القضية التي صدر فيها فعلا حكما بحسبه، ويتم نظرها حاليا أمام محكمة الاستئناف، ويطالب الادعاء العام بحسبه ومنعه من ممارسة العمل السياسي بسببها.
إلى جانب اتهامات متعددة في قضايا أخرى، منها “إهانة موظف عام خلال تأدية عمله”، و”توجيه تهديدات واستهداف أشخاص يتولون مهمة مكافحة الإرهاب”، و”محاولة التأثير على مجريات إحدى المحاكمات العادلة المنظورة أمام القضاء”، إلى جانب محاكمته في قضية التلاعب بمناقصات عامة خلال توليه رئاسة بلدية بيليك دوزو عام 2015.
قضايا واتهامات تهدد فعلا المستقبل السياسي لإمام أوغلو في حال ثبتت صحة الاتهامات الموجهة إليه فيها، مما قد يعرضه للحبس، والمنع من ممارسة العمل السياسي لسنوات، وضياع فرصته في الترشح لرئاسة الجمهورية في أقرب موعد لها.
من هذا المنطلق عد رئيس بلدية إسطنبول أن محاكمته وطلبه للإدلاء بشهادته إنما هي جزء من حملة المضايقات والتضييقات القضائية على رموز المعارضة والمنتمين لها، وتحمل في طياتها دلالات سياسية شديدة الخطورة.
معتبرا أن مثوله أمام الادعاء العام ليدافع عن نفسه، خطأ كبير ما كان يجب أن يحدث خاصة وأنه يمثل 16 مليونا، هم سكان مدينة إسطنبول، مؤكدا: “سنمضي في طريقنا، وهذه الحكومة لم يعد أمامها من سبيل لإيقاف مسيرتنا، نحن الآن ندفع ثمن تحويل الدولة لأداة لتحقيق أهواء شخص واحد يعتقد أنه سيد الأمة، وفوق إرادتها” في إشارة إلى أردوغان.
الملاحقات القضائية لم تقف عند أكرم إمام أوغلو، إذ تمت ملاحقة عدد من رؤساء البلديات المنتمين لحزب الشعب الجمهوري بتهم ترتبط بالفساد المالي، والحصول على رشى لتمرير المناقصات لأشخاص بعينهم، وتوظيف أقاربهم.
أما اعتقال وعزل بعض رؤساء البلديات المنتمين لحزب الديمقراطية ومساواة الشعوب الممثل للأكراد على الساحة السياسية التركية، وثالث أكبر أحزاب البرلمان، فجاءت بسبب اتهامات وجهها لهم من جانب الادعاء العام بالتواصل والتعاون ودعم منظمة إرهابية، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني.
تبرير الحكومة لموقفها من حملة الاعتقالات، وتأكيداتها على استقلالية القضاء لم تقنع أحزاب المعارضة ومؤيديها، الذين يرون أن الدافع الحقيقي وراء هذه التصرفات هو سياسي بامتياز، ولا يمت لمكافحة الفساد أو الإرهاب بصلة، وأن الهدف الخفي الذي يرمي إليه القائمون على هذا السيناريو هو إضعاف أحزاب المعارضة، وتفتيت وحدتها قبل خوض أية انتخابات محتملة.
صدور قرار وزارة الدفاع التركية بطرد 5 من الملازمين حديثي التخرج، و3 من كبار ضباط القوات المسلحة على خلفية ما سُمي إعلاميا بـ”مظاهرة الضباط” الذين رددوا نشيد الولاء لأتاتورك وهم يرفعون سيوفهم في الهواء، كان فرصة ذهبية لأحزاب المعارضة لتكثيف هجومها على الحكومة، وتوجيه نقد لاذع للحكم.
وعلى الرغم من أن الوزارة أوضحت أن الحكم جاء تأديبيا بعد تحقيقات إدارية تم إجراؤها على مدى الأشهر الماضية، إلا أن أوزغور أوزيل رئيس حزب الشعب الجمهوري تعهد بإعادة جميع من تم فصلهم على خلفية هذه الحادثة إلى الجيش بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، مؤكدا دعمه لهم قانونيا حتى عودتهم إلى مواقعهم دون أي خسائر مادية أو معنوية.
أكرم إمام أوغلو في تدوينه له على منصة إرتأى أن هذا القرار لا يحمل في طياته الاحترام الواجب لجنودنا الذين حاربوا من أجل وحدة هذه البلاد، أما نحن فلن نتركهم بمفردهم وسنقف إلى جوارهم.
منصور يافاش رئيس بلدية أنقرة لم يتخلف عن الركب هذه المرة، خلافا لعادته، ناشرا على حسابه على منصة “إكس” العبارة التي رددها الضباط خلال التظاهرة “نحن جنود مصطفى كمال”.
لم تسلم وزارة المالية هي الأخرى من هجوم المعارضة عليها لفحصها الذمة المالية لحوالي 150 من المشاهير بعد أن تم العثور على اختلافات ظاهرة بين الإقرارات الضريبية المقدمة والتدفقات المالية لحساباتهم المصرفية، وذلك في إطار جهود الدولة لمكافحة التهرب الضريبي، خاصة في القطاعات التي تشهد تدفقا ماليا ضخما مثل القطاع الفني بأفرعه المختلفة.
ورغم أنه إجراء طبيعي بل وروتيني إلا أن المعارضة التركية عدت أنه يأتي على خلفية دعم هؤلاء الفنانين المدرجين على قائمة وزارة المالية لها، ووقوفهم إلى جانبها، وتصويتهم لها في الاستحقاقات الانتخابية، وتطابق رؤيتهم لمستقبل تركيا مع رؤيتها.
وأن الحكومة تسعى بكل جدية لتحجيم دور المبدعين على الساحة الفنية التركية، ومحاولة السيطرة على هذا القطاع الحيوي، وفرض سطوتها عليه، ليتبنى وجهة نظرها، ويسوق رؤيتها، ويتحول إلى بوق لها.
أما على صعيد سياسة الحكومة الخارجية وتعاطيها مع ملفات تعد من أولى أولويات الرأي العام التركي، فقد وجه أوزغور أوزيل انتقادات شديدة اللهجة لما عده تخليا من جانب أردوغان عن القضية الفلسطينية، وذلك خلال زيارته لمناطق زلزال 6 فبراير/ شباط.
معتبرا صمت الرئيس، وعدم تصديه لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرامية إلى تهجير أهالي قطاع غزة هو الثمن الذي دفعه الحزب الحاكم لواشنطن مقابل صمتها عن مكاسبه في سوريا.
أوزغور اتهم أردوغان بأنه حينما كان الصراع مع إسرائيل مفيدا لأجندته وظفه إلى أقصى حد، وبعد أن اتفقت كل من تل أبيب وواشنطن على ترتيب الأوضاع في سوريا وفلسطين، وتم منحه دورا في هذه الخطة الجديدة وافق بكل رضى، بالرغم من أن تلك الترتيبات تعني اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وترحيلهم عنها، معتبرا أن هذا الموقف يفقد الرئيس شرعيته.
مؤكدا أنهم على أتم استعداد لخوض الانتخابات العامة بشقيها الرئاسي والبرلماني نهاية العام الجاري، وتأكيدا لهذا التوجه بدأ فعلا عملية اختيار مرشح الحزب المؤهل لخوض السباق الرئاسي المنتظر، فهل تنجح المعارضة التركية هذه المرة عبر توظيف انتقاداتها اللاذعة لممارسات الحكومة الداخلية والخارجية على إجبارها بقبول فكرة إجراء انتخابات مبكرة.
وهل تدرك حقيقة أن هذه الفكرة مع ما تحمله من آمال لها بإمكانية تولي السلطة، تحمل أيضا في طياتها مخاطر قد تنسف أحلامها هذه، خاصة وأنها ستكون فرصة ذهبية تمهد الطريق مجددا أمام الرئيس أردوغان لإعادة الترشح مرة أخرى، وهو ما أصبح يتناوله فعلا في تصريحاته وخطاباته الجماهيرية!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس