إسلام الغمري - خاص ترك برس

ها هو شهر رمضان المبارك يقترب، يحمل معه نسائم الرحمة والمغفرة، ويفتح أبواب الخير لمن أراد أن يتقرب إلى الله بطاعةٍ أو صدقةٍ أو دعاء. إنه شهر الصيام الذي أُنزل فيه القرآن هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان، شهرٌ تتضاعف فيه الحسنات وترفع الدرجات، ويُستجاب فيه الدعاء بإذن الله. قال رسول الله ﷺ: «مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه»، فما أعظمه من فضل، وما أجلّه من أجر!

ولكن فضل رمضان لا يقتصر على الصيام وحده، بل يمتد إلى النفقة في سبيل الله، التي تكون في هذا الشهر كالبذرة في أرضٍ خصبة، تُنبت الخير الوفير وتُثمر الأجر العظيم. وقد قال النبي ﷺ: «أفضل الصدقة صدقة في رمضان». فإذا كانت النفقة في رمضان بهذا الفضل، فما بالكم بنفقةٍ تُخرج المحتاج من ضيقته، وتُعين المظلوم في محنته، وتُساند المجاهد في صموده؟

ومن خير النفقة في هذا الزمان أن تكون لأهل غزة وفلسطين، أولئك الذين اصطفاهم الله ليرابطوا في مواجهة ظلمٍ عالمي، حيث تُحاصرهم قوى الطغيان، وتحرمهم أدنى مقومات الحياة. كم من شهيدٍ رحل إلى ربه شهادةً تُضيء قبورهم وتُعلي درجاتهم! وكم من عائلٍ فقد أباه أو أمه أو أبناءه في غمضة عين! وكم من بيتٍ هُدم على رؤوس ساكنيه، فلم يبقَ لهم سوى الصبر والدعاء!

ها هو الحصار الظالم يمنع عنهم الخبز والماء، ويحرمهم حتى خيمةً تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء. أي ظلمٍ هذا الذي يُمارس على مرأى العالم؟ وأي صمتٍ مخزٍ يُخيم على ضمائر القادرين؟! إن مأساة فلسطين اليوم ليست مجرد كارثة إنسانية، بل هي امتحانٌ للأمة كلها، واختبارٌ لإيماننا بمبدأ الأخوة الإسلامية، وموقفٌ يُسجل في صحائف أعمالنا: هل كنا مع المظلوم أم تواطأنا مع الظالم بالصمت والتخاذل؟

إن أهل فلسطين اليوم هم أحوج الناس إلى عوننا، وإن نفقاتنا في رمضان إذا وُجهت إليهم، فإنها تجمع بين فضل الصدقة في الشهر الفضيل وبين إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم. إنها نفقةٌ تُطعم جائعًا، وتُسقي ظمآنًا، وتُؤوي مشردًا، وتُعيد الأمل إلى قلوبٍ كادت تيأس من جور البشر وظلم الحصار.

ليس المطلوب منا أن نبكي على حالهم، بل أن نتحرك لنجدتهم، وأقل ما نقدمه أن نمد لهم يد العون بالمال، وأن نوصل أصواتهم إلى العالم، وأن نحشد طاقاتنا للدفاع عن حقوقهم، وأن نغرس في أبنائنا حب الجهاد والتضحية لأجل قضايا الأمة. لا عذر لمن تخاذل، ولا حجة لمن أعرض، فالمعركة مع الظلم لا تحتمل الحياد، وكل درهمٍ تُنفقه في سبيل نصرة المستضعفين هو شهادةٌ لك يوم تلقى الله.

يا أمة الإسلام، رمضان فرصةٌ لا تُعوض، وأهل غزة إخوانكم ينتظرون يد العون. فلا تبخلوا عليهم بما وهبكم الله من رزق، ولا تترددوا في نصرتهم بما تستطيعون من مالٍ ودعاءٍ وعمل. فإن الخير الذي تُقدمونه اليوم سيعود إليكم غدًا في موازين حسناتكم، وسيسطر في صحائف أعمالكم يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس