ترك برس

تناول مقال للسياسي والبرلماني التركي السابق آيدن أونال، الاتفاق المبرم بين دمشق وما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية - قسد"، والذي يُفترض أنه يفضي إلى تصفية تنظيم "بي واي دي"، الذراع السوري لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي.

ويشير أونال في مقاله بصحيفة يني شفق إلى أن هذا الاتفاق لا يمنح التنظيم أي شرعية سياسية أو حكم ذاتي، وأن تركيا تنتهج موقفا حذرا تجاه الاتفاق، مشددًا على مراقبتها الدقيقة لتنفيذه لضمان عدم استخدامه كتكتيك للمماطلة.

يسلط المقال الضوء على التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة، معتبرًا أن تركيا تدخل مرحلة جديدة تتجاوز عقودًا من الصراع مع الإرهاب، مما سيوفر موارد ضخمة لبناء الدولة وتعزيز الوحدة بين الأتراك والأكراد والعرب.

كما يناقش التغيرات في الداخل التركي، مشيرًا إلى تراجع نفوذ التيارات القومية المتشددة، وانعكاسات هذه التطورات على عودة اللاجئين السوريين وتعزيز صورة تركيا إقليميًا. وفيما يلي نص المقال:

أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد "قسد" مظلوم عبدي، عن توصلهما إلى اتفاق يتكون من تسعة بنود.

هذا الاتفاق بلا شك، يعلن على الورق تصفية "بي واي دي"، الذراع السوري لتنظيم "بي كي كي" الإرهابي. كما أن المزاعم التي تدعي أن مظلوم عبدي، أو "بي واي دي"، أو حتى الفيدرالية أو الحكم الذاتي قد اكتسبت شرعية ليست صحيحة. ولا أساس للادعاءات بأن "بي واي دي" أصبح شريكًا في الحكومة السورية بموجب هذا الاتفاق.

دعونا نؤكد مرة أخرى: الاتفاق "على الورق فقط" في الوقت الحالي. ورغم ترحيب الرئيس أردوغان بالاتفاق، إلا أنه ألمح إلى أنهم حذرون بشأن التنفيذ. وأن تركي ستراقب التنفيذ وستتخذ خطواتها وفقًا لذلك.

فهل وقع "بي واي دي" هذا الاتفاق بهدف كسب الوقت لمراوغة تركيا وسوريا، أو لمحاولة التلاعب به أو حتى خرقه؟ نعم، قد يكون هذا هو الهدف، لكن هذا التلاعب لن يوفر الكثير من الوقت لـ "بي واي دي". فتركيا، كما هي حازمة في تصفية الحزب، قد بلغت أيضاً حدود صبرها. وفي ظل الهجمات التي تتعرض لها الثورة السورية من كافة الجوانب، ترغب تركيا في إنهاء هذه المشكلة بسرعة من أجل إرساء الثورة على أرضية قوية. بالإضافة إلى ذلك، من أجل أن يحقق مشروع "تركيا خالية من الإرهاب" تقدماً، يجب إغلاق ملف "بي واي دي".

هل من الممكن لـ "بي واي دي" أن يستمر في مسار الحكم الذاتي بشكل غير رسمي من خلال انتهاك الاتفاق أو تمديده؟ لا، هذا غير ممكن. فالكيان الذي لا يتمتع بوضع رسمي يعني "منطقة محررة"، وليس حكما ذاتيا. ولن تتسامح سوريا ولا تركيا مع المنطقة المحررة لفترة طويلة.

باختصار، سواء أكان "بي واي دي" يحاول كسب الوقت أو بناء "منطقة محررة" عن طريق المماطلة، فمن غير الممكن أن يحقق نتائج.

ما هو واضح وجلي هو أن القوات المسلحة لـ"بي واي دي" ستخضع لسيطرة الجيش السوري وستتلقى أوامرها منه. أما "بي واي دي" نفسه، فسيتم تحويله إلى حزب سياسي، وسيضطر إلى التنافس مع الأحزاب الكردية الأخرى التي سيتم تشكيلها، ومع عموم الأحزاب الأخرى في سوريا، إذا تمكن من الاستمرار. ولا يبدو أن هناك أي خيار آخر.

 

لحظة تاريخية فاصلة

بسبب التطورات المتسارعة في منطقتنا والموقف الحذر جدًا لتركيا، فإن إعلان تنظيم "بي كي كي" الإرهابي عن حله لنفسه، وتصفية "بي واي دي" عبر اتفاقية دمشق، لم يجدا الصدى الذي يستحقانه في تركيا.

ويمكننا أن نقول بسهولة، إننا نشهد أهم لحظة فاصلة في تاريخ جمهوريتنا. إن جمهورية تركيا الآن تدخل مرحلة جديدة.

كانت القومية هي المبدأ الأصلي الوحيد للكمالية. ولسوء الحظ، سارت القومية في اتجاه تقسيمي بعيدًا عن فكرة بناء أمة جديدة. بدلًا من أن تتحد العناصر المكونة للدولة، مثل الأكراد، ابتعدت هذه العناصر عن الدولة. إن ممارسات الدولة الفاشية ضد الاختلافات مهدت الطريق لتشكيل مستنقع الإرهاب. وفي ذلك المستنقع، سيطر ذباب الإرهاب الذي آلم تركيا لعقود.

واليوم، بينما يتم تجفيف ذلك المستنقع، تنتقل جمهوريتنا إلى مرحلة جديدة. جميع العناصر الإسلامية، وخاصة الأتراك والأكراد والعرب، يحتضنون ويتحدون ويعززون أخوتهم، متجاوزين كل الحدود.

تخيلوا الموارد التي تم إنفاقها بالمليارات على مكافحة الإرهاب سيتم إنفاقها الآن على مجالات أخرى، مثل التعليم والصحة. لن تهدر طاقة تركيا في الجدالات التي لا طائل منها. وستكتسب تركيا قوة فوق قوتها.

وفي الداخل، يتجلى وراء استياء القوميين والعنصريين والفاشيين والمتعصبين الطائفيين الذين يتخفون تحت مظاهر اشتراكية، تمامًا هذه الحقيقة: أبواب الاستغلال تغلق، ويصبح الجميع عاطلين عن العمل. ومع عودة اللاجئين إلى وطنهم بسلام وامتنان سينتهي استغلالهم. وبالقضاء على الإرهاب سينكشف أولئك الذين تغذوا على العداء بين الأتراك والأكراد. هناك تطورات إيجابية تحدث في تركيا.

سؤال أخير

قام مراسل لأحد القنوات التلفزيونية بإجراء مقابلات مع شبان في شوارع دمشق، وكان نصفهم يتحدثون التركية بطلاقة ويعبرون عن شكرهم لتركيا.

فمن هو الأكثر قومية؟ أولئك الذين يرتدون قناع القومية التركية ويعملون عملاءً للمخابرات الإسرائيلية والإيرانية مجانًا؟ أم الرئيس أردوغان الذي زرع حب تركيا في قلوب السوريين، وجعل نصف السوريين يتحدثون التركية ويعبرون عن امتنانهم لتركيا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!