ترك برس

استعرض تقرير بصحيفة يني شفق التركية، تحليلا للقضية الفلسطينية من زوايا متعددة، مسلطًا الضوء على المأساة الإنسانية المستمرة في غزة، والمسؤوليات المترتبة على الأفراد والمجتمعات والدول الإسلامية تجاهها.

ويناقش التقرير الذي كتبه الإعلامي التركي طه قلينتش، أوجه القصور في ردود الفعل الحالية، ويدعو إلى وضع استراتيجيات طويلة الأمد بدلاً من الاقتصار على المواقف العاطفية.

كما تناول الدور الذي تلعبه القوى العالمية، مثل الولايات المتحدة بقيادة ترامب، في دعم الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى تشابه الظروف الحالية مع الأوضاع التي شهدتها الحروب الصليبية.

وأكد الكاتب على أن القضية الفلسطينية تمثل اختبارًا مستمرًا للإرادة الإسلامية ومدى قدرة الأمة على مواجهة التحديات بوعي ووحدة. وفيما يلي نص التقرير:

عندما بدأت أخبار الهجمات الإسرائيلية على غزة في وقت السحور تصل إلى هاتفي، تجمدت في مكاني وأنا جالس على مائدة الطعام. وتذكرت المشهد الشهير الذي رواه الكاتب اللبناني أمين معلوف في كتابه "الحروب الصليبية بعيون عربية".

"في 19 أغسطس 1099، يوم الجمعة، دخل قاضي دمشق أبو سعد الهروي إلى المسجد الجامع في بغداد، وعندما أقبل المسلمون من كل صوب لصلاة الجمعة، أخذ يأكل علانية مع أن الناس في شهر رمضان، وما هي إلا ثوان حتى اقتربت جماعة من الجند لاعتقاله، بيد أن أبا سعد نهض يسأل من حوله: كيف تظهرون هذا الاضطراب حيال إفطار في شهر الصيام في حين لا تبدون أية مبالاة حيال ذبح آلاف المسلمين وتدمير مقدساتهم من قبل الفرنجة، وهكذا، بعد أن سكت الحشد، بدأ يروي لهم المآسي التي شهدها أهل الشام، وخاصة ما جرى في القدس. وكما ذكر ابن الأثير قائلاً: "أورد كلاما أبكى العيون، وأوجع القلوب".

ورغم مرور حوالي 1000 عام، فإن ردود الفعل أو غيابها تجاه المعاناة التي تشهدها منطقتنا لا تزال كما هي، وهذا أمر مرعب حقًا، أيّهما يؤثر فينا أكثر: المأساة التي تحدث في فلسطين، أم إفطار مسلم أمامنا في نهار رمضان؟ وأيٌّ منهما يستدعي رد فعل أكثر أقوى؟ كلنا نعرف الإجابة.

هناك عدة نقاط يجب أن نُعيد التأكيد عليها بوضوح:

ـ ما نشهده من مأساة إنسانية في غزة سنحاسب عليه في الدنيا وفي الآخرة. فهي ليست مسألة بسيطة يمكن تجاوزها بالجدل السياسي أو اللوم المتبادل. وبالتالي، نحن ملزمون بأن نفعل كل ما يلزم لجعل حسابنا يسيرا، بدءًا من الدعاء والدموع، وصولاً إلى العمل الملموس على الأرض. وهذا هو الجانب الشخصي للقضية.

ـ في مواجهة الاحتلال الصهيوني، تحتاج السلطات الواعية والقوية، على وجه الخصوص، إلى التخلص من ردود الفعل العاطفية اليومية وتطوير استراتيجيات طويلة الأجل وملموسة وقابلة للتطبيق والاستمرار. نحن لا نزال نعاني من إهمال وفجوات لا تصدق في العديد من القضايا، بدءا من تنشئة الأجيال إلى بناء هياكل مؤسسية ذات أهداف محددة بوضوح. وهذا هو البعد المجتمعي للقضية.

ـ على مستوى العالم الإسلامي، تقع المسؤولية الأكبر بلا شك على عاتق الدول وقادتها. ونظرًا لأن القضية الفلسطينية هي أيضًا موضوع داخلي في كل دولة إسلامية، فإن الحكام ليسوا في وضع يسمح لهم بالتملص من هذه المسؤولية. عاجلاً أم آجلاً، ستسبب فلسطين لهم مصدر قلق كبير. ومن الضروري تذكير الحكام المسلمين الذين لا يرون فلسطين "قضية" بأن هذه النار ستلتهم كل من يتخلف عن أداء واجبه مع مرور الوقت، ولن تتمكن أي عاصمة أو سلطة من إنقاذ نفسها من لهيب نيرانها. وهذا هو الجانب المتعلق بالأمة.

ـ إن الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، الذي لم يتردد لحظة في تصنيف الإسلام والمسلمين كأعداء، يتحرك بكل تهور في مسألة فلسطين ويقدم دعمًا غير محدود للاحتلال الإسرائيلي، وهو على يقين من أن العالم الإسلامي لن يتوحد أبدًا، خاصةً في ظل التنافس والعداوات داخل العالم العربي، والتي تسهل العديد من القرارات التي تُتخذ في البيت الأبيض. وفي هذه الفوضى التي تركز فيها كل دولة على مصالحها الخاصة يذكّرنا الشرق الأوسط اليوم بالأجواء التي شهدتها الحروب الصليبية. وهذا البُعد الإقليمي والعالمي للقضية.

ـ لم تتمكن القضية الفلسطينية، على مدار تاريخها الذي يزيد عن قرن، من التحرر من قيود هذين السؤالين: 1) ما هي مكانة فلسطين بالضبط في العالم الإسلامي؟ 2) من يمثل فلسطين في الداخل والخارج؟ عندما تقرأ التاريخ على مدار المئة عام الماضية، سترى أن الإجابات التي لم تُعطَ بشكل صحيح على هذين السؤالين في جميع مراحل المقاومة للاحتلال قد سدت الطريق بصخور ضخمة. وهذا هو البعد الفكري والتاريخي للقضية.

وكما قال الراحل جاهد ظريف أوغلو في الثمانينات: "فلسطين هي امتحان أمام كل مؤمن". فنحن جميعا في اختبار كأفراد، ومجتمعات، وأمة، ودول وحكام. الوقت يمر بسرعة، والاختبار على وشك الانتهاء.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!