ترك برس

تناول تقرير للمفكر التركي سلجوق تورك يلماز، قراءة نقدية لمسار الصراع في العالم الإسلامي منذ غزو الولايات المتحدة للعراق عام 1991.

التقرير الذي نشرته صحيفة يني شفق سلط الضوء على كيفية بحث الغرب عن "عدو جديد" بعد الحرب الباردة، ودور بعض الجماعات الداخلية، مثل تنظيم غولن، في التواطؤ مع مشاريع الاحتلال والاستعمار الجديد، خصوصًا في سياق القضية الفلسطينية.

كما ناقش التقرير كيف أدت التحولات الإقليمية والداخلية إلى انقسامات حادة بين تيارات داعمة للمقاومة وأخرى متماهية مع الهيمنة الغربية، مع التركيز على رمزية مواقف مثل صرخة "دقيقة واحدة" للرئيس أردوغان باعتبارها بداية مقاومة جديدة.

وفيما يلي نص التقرير:

حين غزت الولايات المتحدة العراق عام 1991، لم تتوفّر لدينا بيانات قاطعة بشأن ما إذا كانت تمتلك رؤية شاملة تجاه العالم الإسلامي، إلا أنها اعترفت بأنها باتت بحاجة إلى "عدو جديد". لقد انتهى النظام الذي تشكّل إبّان الحرب الباردة، وانهار المعسكر الشرقي، وأصبح الغرب في بحث حثيث عن عدو جديد. وكانت هذه التصريحات تُطلق علنًا دون مواربة.

لقد مثّل الغزو الجديد بداية مرحلة بالغة القسوة بالنسبة للعالم الإسلامي. ففي أواخر عام 1991، أعلن زعيم تنظيم "غولن" الإرهابي من على منبر أحد المساجد أنه كان يبكي طوال الليل على أطفال إسرائيل. أما نحن، فكنّا على يقين منذ تلك الأيام أن زعيم "غولن" كان يغازل رؤوس الأموال اليهودية. ولم تتغير قناعتنا تلك في السنوات اللاحقة. وبينما كانت الأمة الإسلامية تمرّ بمرحلة جديدة من الاحتلال، كانت بعض الجماعات في الداخل توحّد مصالحها الشخصية مع الأطماع السياسية للقوى المستعمِرة.

وكنا ندرك أن الغزو الذي بدأ عام 1991 كان مرتبطًا بشكل مباشر بالقضية الفلسطينية. فقد كان للانتفاضة الفلسطينية الأولى صدى واسع في شتى أنحاء العالم. ولم يكن الفلسطينيون ليقبلوا بالاستسلام. ولم يكن غزو الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق، ـ وهما اللتان انشغلتا منذ عام 1948 بتوسيع إسرائيل الصهيونية كمشروع استعماري ـ علامة خير. كما أن "بكاء" زعيم تنظيم غولن الإرهابي ليلًا على أطفال إسرائيل لم يكن حدثًا عابرًا، بل كان نذير شؤم إلى أن العالم الإسلامي كله سينقسم حول محور القضية الفلسطينية إلى قسمين؛ فمن جهة، هناك من اصطفّ إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، إما عبر الصمت تجاه السياسات التوسعية الإسرائيلية، أو عبر المجاهرة بدعمها.ومن جهة أخرى، برزت صفوف المعارضين للاستعمار بشكل واضح. وأود أن أؤكد هنا أن هذا الانقسام لم يبدأ عام 1991، بل كانت جذوره أعمق.

ويجب النظر إلى "مرحلة 28 فبراير" بوصفها امتدادًا للمرحلة الجديدة التي بدأت مع غزو العراق. ففي مساحة تمتد من الجزائر إلى القوقاز، ومنها إلى البلقان، كانت أحداث جسيمة تهزّ المنطقة، ولكن في الداخل كان أنصار إسرائيل يمارسون ضغطًا كبيرًا على الحركات الإسلامية. وكما هو الحال اليوم، كانت التيارات اليسارية والعلمانية والموالية للغرب تستخدم مفاهيم مثل "الحزام الأخضر" لتشويه سمعة الحركات المعادِية للاستعمار والتي كانت تتشكل من جديد.

وفي المقابل، كان زعيم تنظيم غولن الإرهابي يتحرك بوضوح بتوجيه أميركي بريطاني مباشر، ويلعب دورًا نشطًا في الميدان ضد التيارات الإسلامية. أما أتباع غولن، فقد انتشروا في المناطق التي تتمتع فيها الولايات المتحدة بنفوذ قوي. لقد وضع هؤلاء أنفسهم علنًا تحت وصاية أميركية بريطانية، وسعوا إلى تأسيس نموذج جديد من "نظام الحماية". ومهما اختلفت الأنظمة الاستعمارية بين الانتداب والحماية والاحتلال المباشر، فإنها تعبّر عن ثلاث أنماط فكرية متداخلة تغذي بعضها البعض. أما ممثلوا هذه الأنماط الفكرية فكانوا يلتزمون الصمت إزاء تهجير الفلسطينيين من أراضيهم أو يتّحدون في موقفهم المؤيد لذلك.

ورغم أن القوى التي اجتاحت العالم الإسلامي قد تجمّعت تحت قيادة الأنجلوساكسونيين، فإن الداخل ظلّ أسيرًا لنقاشات عقيمة وسطحية. وكان اليأس المرتبط بالقضية الفلسطينية في كثير من الأحيان انعكاسًا مباشرًا لتلك السجالات الضحلة والسطحية. وعلى امتداد تلك المرحلة الطويلة، لم يتورّع كثيرون عن تحميل الفلسطينيين أنفسهم مسؤولية ما جرى، وانتقدوا أساليب نضالهم بمفاهيم دينية.

وعقب العدوان الإسرائيلي الوحشي الذي بدأ في 27 ديسمبر 2007 واستمر حتى 18 يناير 2009، أطلق الرئيس رجب طيب أردوغان صرخته الشهيرة "دقيقة واحدة" (One Minute)، فاتحًا بذلك باب مرحلة جديدة ما تزال تداعياتها قائمة حتى يومنا هذا. وقد فسرتُ شخصيًا ذلك الموقف على أنه إيذان ببدء مقاومة جديدة ضد الهيمنة الأميركية والبريطانية.

أما عداء تنظيم"غولن" الإرهابي لأردوغان، والذي لم يترددوا في إظهاره علنًا، فكان له دلالاته العميقة. فبعد حادثة سفينة "مافي مرمرة"، لم يتوانَ زعيم تنظيم غولن عن وصف إسرائيل بأنها "السلطة التي ينبغي الحصول على الإذن منها، ولم يكن من الصعب إدراك أنه كان يتحدث باسم أمريكا وبريطانيا.

يمكننا سرد سلسلة طويلة من الأحداث المتعلقة بالقضية الفلسطينية، ولكن الإحاطة بكل واحدة منها ليست ممكنة هنا. والجدير بالذكر أن التيارات العلمانية، واليسارية، والموالية للغرب، كانت - ولا تزال - تتعاون بصراحة مع تنظيم "غولن" وبعض الجماعات المحافظة المشابهة، وفي الوقت ذاته تُسارع إلى اتهام المتعاطفين مع القضية الفلسطينية وتخوينهم. وحتى الأمس القريب، كانوا يهاجمون الرئيس أردوغان لدعمه القضية الفلسطينية، أما اليوم، فإنهم يملأون الساحات باتهامه بالعمل ضمن الأجندة الأميركية والبريطانية، والأدهى من ذلك، أنهم بعد فترة باتوا يصدقون الاتهامين المتناقضين في آنٍ معًا. وهذه الحالة لا تشير إلى عقل سويّ أو نفسية متزنة. وحتى في ما يتعلق بقضية "الهجرة" ومضامينها الرمزية والدينية، فإنهم يتعاملون معها بشكل متناقض، ما يعكس حجم الاضطراب الذي يعيشه هؤلاء.

ومن هنا، يجب أن نولي عبارة "قد يوحّدون مصالحهم الشخصية مع الأطماع السياسية للمحتلّين" اهتمامًا بالغًا، وأن نناقشها في سياقها بعمق وتروٍ.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!