محمود عثمان - خاص ترك برس
رغم التضاد شبه التام في مواقفهما السياسية , والتنافس والنزاع على تقاسم مناطق النفوذ بينهما , والتي لا تقتصر على بلدان الشرق الأوسط مثل سورية والعراق ولبنان واليمن فحسب , بل تتعداها إلى دول القوقاز إلا أن القوتين الإقليميتين الرئيسيتين تركيا وإيران نجحتا على الدوام في إيجاد قواسم مشتركة ومساحات التقاء وإبداع حلول ساعدت على تطوير التبادل التجاري بينها!. مما يشير إلى براغماتية عالية يتمتع بها الطرف الإيراني لأن تركيا كبلد علماني لا تقيم كبير وزن للخطاب الأيدلوجي , بينما تتميز إيران بنبرتها الايدلوجية العالية .
فعلى سبيل المثال لا الحصر , قبيل زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان لإيران وجه خمسة وعشرون نائبا برلمانيا إيرانيا عريضة للرئيس روحاني يطالبون فيها أن يقوم الرئيس أردوغان بتقديم اعتذار رسمي عن تصريحاته التي أيد من خلالها عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية وانتقد التدخل الإيراني في اليمن !. وكذلك التصريحات التي تصل أحيانا إلى مستوى التهديدات من شخصيات إيرانية رسمية وشبه رسمية تنتقد تركيا ومواقفها في العراق وسورية على وجه الخصوص. لكن كل هذه الجعجعة السياسية والإعلامية يتم وضعها جانباً عندما يبدء الحديث عن المصالح الاقتصادية المتبادلة وكأن شيئاً لم يكن !.
رغم تحفظ غالبية دول المنطقة على الاتفاق النووي الايراني إلا أن تركيا كانت في طليعة الدول التي رحبت بهذا الاتفاق . وقد جاء الترحيب التركي الرسمي على لسان وزيري المالية والطاقة وهذا له دلالاته التي لا تخفى !.. من جانبه فقد رحب رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو بالاتفاق أيضا لكنه يهمل التعريض به بأنه " لم يأت بجديد وأن ما تم التوصل إليه كانت تركيا قد عرضته على إيران قبل أربعة أعوام".
جريدة "يني شفق" المقربة من الحكومة التركية عنونت صفحتها الإقتصادية " في إيران فرص عمل للجميع " معلنة بدء الرحلات الجوية المباشرة بين مدينتي طهران و "بودروم" عاصمة السياحة في تركيا , وكذلك فعلت غالبية الصحف التركية التي تناولت الجوانب الاقتصادية الايجابية التي ستضاعف من فرص العمل والتبادل التجاري في وقت تعاني فيه غالبية دول العالم من ركود اقتصادي عام.
ويطمح كل من تركيا وإيران إلى زيادة حجم التبادل التجاري بينهما حيث تشير المعطيات الحالية إلى سهولة تحقيق الهدف المعلن لهذا العام 2015 والبالغ 35 مليار دولار إلى مستويات أكبر.
واضح للعيان أن الحكومة التركية كان لديها قناعة راسخة ورؤية واضحة بأن الاتفاق النووي بين ايران والدول الست سوف يكلل بالنجاح , وأن أهم ما تملكه طهران من موارد إقتصادية هو البترول والغاز الطبيعي , وأن أقصر الطرق وأكثرها عملية وفاعلية لتسويق الغاز والبترول الايراني إلى أوربا سيكون عبر تركيا , لذلك شرعت في مد خطوط نقل البترول والغاز قبل سبعة أشهر من تاريخ توقيع الاتفاق النووي , لأنها تعلم جيدا مدى حاجة الأوربيين وحساسيتهم بل وشراهتهم لاحتكار مصادر الطاقة .
الأمريكان والأوربيون بدورهم أيضا استبقوا التوقيع على الاتفاق النووي بزيارات تمهيدية حيث تقاطر رؤساء ومدراء الشركات الأوربية على زيارة طهران , ثم تبعهم الوزراء والرؤساء حيث توجه إليها البارحة – الأحد - وزير الطاقة الألماني , كما أعلن كل من هولند فرنسا ورئيس ألمانيا أنهما سيتوجان إلى طهران في الأيام القليلة القادمة , كل ذلك من أجل الظفر بحصة من الكعكة الإيرانية الواعدة .
كل هذا الحراك السياسي والنهم الاقتصادي مفهوم ومبرر سياسياً , لكن ثمة أسئلة تطرح نفسها بقوة وإلحاح شديد .. هل البترول والغاز الطبيعي الإيراني له صفات خارقة تميزه بترول دول الخليج العربي أو ليبيا أو غاز الجزائر أو قطر ؟!. ولماذا كل هذه الحفاوة العالمية والأوربية خصوصا بمصادر الطاقة الإيرانية ؟!.
بعيداً عن نظرية المؤامرة بأن الغرب يكره المسلمين السنة ويتآمر عليهم , هناك سببان رئيسيان – بالتأكيد هناك أسباب أخرى - يفسران تهافت الغرب على إيران :
أولهما :
أن إيران تعتبر سوقاً كبيرة بكراً واعدةً قد تكون قارب نجاة ينقذ إقتصاداتهم التي تعاني من ركود خانق أدى إلى إفلاس اليونان البلد الصناعي المتطور وأحد الأعضاء المؤسسين للإتحاد الأوربي , بينما تقف دول صناعية كبرى مثل اسبانيا والبرتغال وايطاليا هي الأخرى على شفير الافلاس والانهيار الإقتصادي . فقد يشكل رفع العقوبات عن ايران وحصولها على سيولة نقدية معتبرة فرصة ذهبية لتعافي تلك الدول , وعودة اقتصاداتها إلى النمو بعد فترة طويلة من الركود الشديد.
ثانيهما:
قناعة الأوربيين بأن منطقة الشرق الأوسط لن يحالفها الاستقرار على المدى القريب والمتوسط , يدعم ذلك تصريحاتهم بأن الحرب على الإرهاب والقضاء على تنظيم داعش قد يستغرق سنوات طويلة قد تزيد على عشر أو عشرين سنة ! وهذا يشير بوضوح إلى رؤيتهم بأن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على نزاعات وصراعات ربما يطول مداها , وأنهما بنفس الوقت معرضة لتغييرات جيوسياسية لا أحد يدرك مداها حتى اللحظة . إذ لا تزال الصراعات على أشدها بينما تتعد أوجه هذة الصراعات بين عرقية ومذهبية وقبلية بالرغم من أن بداياتها كانت ثورات شعبية سلمية بريئة تحمل أهدافا إنسانية ومطالب مشروعة محقة . لكن الغرب تحت مسمى الواقعية والحلول العملية يبحث دوما عن مصادر للطاقة أكثر أمنا واستقرارا , وبعد ذلك فيأتي الطوفان .
إذا كانت الدول العربية تملك بترولا وغازا طبيعيا أكثر من إيران كماً ونوعاً وهي كذلك , و إذا كانت الدول العربية تشكل سوقاً أكبر وأضخم من السوق الإيرانية وهي كذلك فما الذي يجعل الغرب يتجاهلونها ويزهدون بها وينصرفون إلى إيران وكأن كريستوف كولومبس قد اكتشفها لتوه من جديد ؟!.
كل له جوابه ...
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس