
ترك برس
وسط الأناضول، المعروف أيضاً بـ"الأناضول الداخلي"، يعد من أكثر مناطق تركيا إثارة للاهتمام، حيث تمتزج الطبيعة الخلابة مع العمق الروحي والتاريخي. من كبادوكيا، مركز المسيحية المبكرة والمستوطنات الصخرية، إلى تقاليد الصوفية في طريق حجي بكتاش، وصولاً إلى مسارات الدراجات والتسلق في جبال ألا داغلار، تكشف المنطقة عن مزيج فريد من الطبيعة والتاريخ والروحانية.
كبادوكيا.. معجزة صخرية وملاذ للمسيحيين الأوائل
تُشكلت كبادوكيا عبر ملايين السنين نتيجة ثوران ثلاثة براكين حول المنطقة. أدت العوامل الجيولوجية إلى تكوّن الطفة البركانية، صخور ناعمة صلبة، منح الرياح والمياه القدرة على نحت مناظر طبيعية خرافية ومداخن جنية فريدة من نوعها.
كانت كبادوكيا ملاذاً للمسيحيين الأوائل الذين فرّوا من الاضطهاد الروماني، فحفروا مستوطنات تحت الأرض تضم مساكن وأديرة مزينة بلوحات جدارية بيزنطية رائعة. استقر المسيحيون بين نيصا ونازينزوس وقيصري، واتباع القديس باسيليوس الكبير (330-379 م)، أسقف قيصرية، أسسوا حياة رهبانية وعقائدية أثرت على المسيحية حتى اليوم.
القديس باسيليوس الكبير، إلى جانب غريغوريوس اللاهوتي من نازينزوس وشقيقه غريغوريوس النيصي، عُرفوا باسم "الآباء القبادوكيين"، ووضعوا أسس العقيدة الثالوثية في المسيحية. وقد قام القديس ببناء الكنائس الأولى في وادي غورمة، والتي شكلت ما يُعرف اليوم بمتحف غوريم المفتوح، ومن أبرزها كنيسة توكالي وكنيسة قرانليك، التي تُعدّ مثالاً بارزاً على الأقواس الرشيقة واللوحات الجدارية الجميلة.
أول سجل للمستوطنات تحت الأرض يعود إلى المصادر التاريخية مثل زينوفون أناباسيس، ويُعتقد أن الحيثيين كانوا أول من سكن مستوطنات قيماكلي ودرين قويو. وبفضل هذا الإرث الفريد، أدرجت كبادوكيا في قائمة التراث العالمي لليونسكو تحت عنوان "حديقة غوريم الوطنية ومواقع الصخور في كبادوكيا".
حجي بكتاش وتقليد الأخوية
في القرن الثالث عشر، برز حجي بكتاش ولي كفيلسوف صوفي، ركزت أفكاره على الحب البشري والمساواة بين الناس، سواء رجالاً أم نساء. أسس الطريقة البكتاشية، التي أصبحت أحد التيارات الصوفية المهمة، وارتبط اسمه بـ"تقليد الأخوية"، وهو أول نقابة حرفية في العالم.
فرض هذا التقليد قواعد أخلاقية على الحرفيين، مع تعليم الجيل الجديد القيم والتقاليد الاجتماعية المتوارثة، ما ساعد على حماية التراث الحرفي والثقافي في المنطقة.
مغامرة على الطرق.. ركوب الدراجات والمشي
كبادوكيا تقدم لراكبي الدراجات تجربة استثنائية، إذ تمر الطرق الجبلية عبر الوديان والصخور البركانية، لتتيح خيارات متنوعة لجميع المستويات. ولعشاق المغامرة، لا شيء يضاهي الاستيقاظ صباحاً ومشاهدة منطاد الهواء الساخن يحلق فوق المشهد الخلاب قبل الانطلاق بالدراجة.
جبال ألا داغلار.. مسارات المشي وتسلق الصخور
تمتد سلسلة جبال ألا داغلار، المعروفة أيضاً بجبال طوروس القديمة، من قيصري ونيغدة إلى أضنة، وتضم مواقع طبيعية مذهلة لعشاق المشي والمغامرة. تصل قمم الجبال المفضلة خلال الصيف إلى 3,756 متراً، وتقدم مسارات متنوعة للمشي لمسافات طويلة بين الغابات وأحواض النباتات الجبلية، مع إمكانية التخييم في مناطق مثل صوكولو بينار، فضلاً عن خيارات التجديف وتسلق الجبال.
أما تسلق الصخور في ألا داغلار، فيوفر أكثر من 100 مسار من جميع المستويات، بطول يصل إلى 650 متراً، ما يجعل المنطقة وجهة مثالية لعشاق المغامرة خلال الفترة بين يونيو وسبتمبر.
طرق القوافل.. من إسطنبول إلى كبادوكيا
تربط الطرق التاريخية بين إسطنبول ووسط الأناضول، حيث تبدأ الرحلة من مدينة إسطنبول العريقة، مروراً بـ بولو، نقطة التقاء البحيرات والجبال والطبيعة الخصبة، ثم أنقرة عاصمة البلاد، وصولاً إلى كبادوكيا، أرض الخيول الجميلة ومداخن الجن.
تتيح هذه الطرق للزوار فرصة تجربة مزيج من الثقافة والتاريخ والطبيعة، مع التعرف على التقاليد الروحية للصوفية والمسيحية المبكرة، والتمتع بالمغامرة في واحدة من أكثر المناطق إثارة وإبداعاً في العالم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!