ترك برس

تناول الكاتب والمحلل السياسي التركي إسماعيل ياشا، في مقال بصحيفة "عربي21"، أبعاد الهجوم المسلح الذي نفذه مراهق يبلغ من العمر 16 عامًا على مركز للشرطة في مدينة إزمير التركية، والذي أسفر عن مقتل شرطيين وإصابة آخر بجروح خطيرة.

يركز الكاتب على التحقيقات الجارية لكشف دوافع الهجوم، حيث تشير المعطيات الأولية إلى احتمال تأثر المهاجم بالدعاية المتطرفة لتنظيم داعش، كما يُطرح احتمال أن تكون العملية جزءًا من "عمليات الراية الكاذبة".

يناقش ياشا أيضًا البُعد السياسي والتوقيت الحساس للهجوم في ظل تصاعد التوترات الداخلية بين المعارضة والحكومة، وكذلك التوتر الإقليمي بين تركيا وإسرائيل.

كما يسلط الضوء على مخاوف من استغلال القُصّر في أعمال إرهابية، ويطرح تساؤلات حول الجهات التي قد تقف خلف التحريض أو التوظيف الأمني لهذا النوع من الهجمات.

وفيما يلي نص المقال:

هاجم مراهق عمره 16 عاما مركزا للشرطة في مدينة إزمير غربي تركيا، صباح الاثنين، وقتل شرطيين وأصاب آخر إصابة بالغة. وألقت قوات الأمن القبض على المهاجم، كما فتحت السلطات المختصة تحقيقا لمعرفة دوافع المهاجم وملابسات الهجوم. وذكرت وسائل الإعلام أن المهاجم يسكن في ذات الحي الذي يقع فيه مركز الشرطة المستهدف، وأنه استخدم في الهجوم بندقية والده، وادعى بأنه تعرض لسوء معاملة في مركز الشرطة أثناء احتجازه فيه قبل مدة.

مقطع الفيديو الذي نُشر في مواقع التواصل الاجتماعي يظهر المهاجم وهو يرتدي قناعا، ويهتف "الله أكبر"، كما نُشرت رسالة في الإنستغرام قبل حوالي ثلاث ساعات من الهجوم قيل إنها تعود للمهاجم، ويقول فيها كاتب الرسالة إنه سيقوم بعد قليل بعملية استشهادية، مضيفا أن المسلمين يتعرضون للظلم في جميع أنحاء العالم وأن معظم المسلمين يكتفون بالإدانة. وبالتالي، يطرح هذا السؤال نفسه: "هل المهاجم ينتمي إلى تنظيم داعش الإرهابي أو تأثر من أفكاره؟".

قد يكون ذاك المراهق قام بالهجوم على مركز الشرطة تحت تأثير الدعاية الداعشية التي تغزو الفضاء الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن هناك احتمالا آخر، لأن ظهور المهاجم في حلة داعشي لا يعني بالضرورة أن الهجوم الإرهابي يقف وراءه ذاك التنظيم، وأن العملية قد تكون من نوع عمليات "الراية الكاذبة"، وهي عمليات عسكرية أو استخباراتية سرية تستخدم وسائل التمويه لتبدو أن من يقف وراء العملية مجموعة أو دولة أخرى.

قوات الأمن اعتقلت والد المهاجم ووالدته، بالإضافة إلى بعض أصدقائه للتحقيق معهم، كما ألقت القبض على إيراني في مدينة إسطنبول كان على تواصل مع المهاجم، ولم يعلَن بعد عن طبيعة علاقاته مع المهاجم ومدى ضلوعه في الهجوم الإرهابي، وهل هو موالٍ للنظام الإيراني أم معارض له. ومن المؤكد أن التحقيقات التي تجريها السلطات التركية مع المهاجم والمشتبه به ستكشف عن أجوبة تلك الأسئلة.

توقيت الهجوم الإرهابي هو الآخر أثار علامات استهداف حول أهدافه، لأنه جاء في ذات اليوم الذي كانت الأنظار متجهة إلى إسطنبول. وكان النائب السابق غورسال تكين، قد أعلن أنه سيدخل مقر فرع حزب الشعب الجمهوري في المدينة، يوم الاثنين، بعد أن عيَّنه القضاء وصيا على الفرع. وكانت قيادة حزب الشعب الجمهوري قالت إنها لن تسمح لتكين بدخول مقر الفرع في إسطنبول، ودعت أنصار الحزب إلى التصدي له. كما هدد رئيس الحزب أوزغور أوزل الحكومةَ بتنظيم احتجاجات شعبية واسعة في جميع أنحاء البلاد. وذهب بعض مؤيدي رئيس بلدية إسطنبول المُقال، أكرم إمام أوغلو، إلى أبعد من ذلك، ودعوا إلى شن حرب العصابات ضد الحكومة.

الهجوم على مركز الشرطة في إزمير جاء أيضا في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر بين تركيا وإسرائيل، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتصادم مصالح أنقرة وتل أبيب في أكثر من ملف إقليمي، وتزايد مخاوف إسرائيل من تعزيز تركيا نفوذها في سوريا. ويدور الحديث في الآونة الأخيرة حول احتمال تحول التوتر بين تركيا وإسرائيل إلى حرب ساخنة في المستقبل، كما أكد العدوان الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة أن أي دولة في المنطقة ليست بمنأى عن العربدة الإسرائيلية. إلا أن المتوقع هو أن تستهدف إسرائيل أمن تركيا واستقرارها في هذه المرحلة عن طريق وكلائها ومرتزقتها، بدلا من الاصطدام المباشر مع ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي "الناتو".

تركيا هذه الأيام تمر بمرحلة في غاية الأهمية والحساسية في طريق طي صفحة الإرهاب الانفصالي ضمن مشروع "تركيا خالية من الإرهاب". وترى أنقرة أن إلقاء السلاح الذي أعلنه حزب العمال الكردستاني يجب أن يشمل كافة فروع التنظيم الإرهابي وأذرعه، بما فيها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، إلا أن الأخيرة تصر على عدم إلقاء السلاح في الأراضي السورية التي تحتلها، على الرغم من تشديد أنقرة على أن تركيا لن تسمح بمشاريع التقسيم في سوريا. وهناك قوى دولية وإقليمية ومحلية منزعجة من الجهود التي تبذلها تركيا لإنهاء الإرهاب الانفصالي في أراضيها وحتى المنطقة برمتها، وتسعى إلى إفشالها.

تصرفات المهاجم تشير إلى أنه تدرب على استخدام السلاح، والقيام بمثل هذا الهجوم. كما أن كون عمره 16 عاما لفت الأنظار مرة أخرى إلى النقاش الدائر حول الجرائم التي يرتكبها القاصرون، وتوظيفهم من قبل شبكات المافيا وأجهزة الاستخبارات، لأن القانون يعاملهم معاملة الأطفال، ويخفف عقوباتهم. ومن المؤكد أن نتائج التحقيقات هي التي ستكشف إن كان هناك من حرَّض ذاك المراهق على استهداف مركز الشرطة، وما هو الهدف الحقيقي من الهجوم الإرهابي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!