
ترك برس
تناول تقرير للكاتب والباحث في الشؤون التركية سمير العركي، الجدل المتصاعد حول مشاركة تركيا المحتملة في القوة الدولية المزمع إنشاؤها في قطاع غزة لمراقبة وقف إطلاق النار وتحقيق الاستقرار بعد الحرب، مستعرضاً مواقف الأطراف المختلفة من هذا المقترح.
يوضح الكاتب في مقاله بموقع الجزيرة نت أن واشنطن ترى في أنقرة شريكاً فاعلاً بحكم علاقاتها مع حماس وقدرتها على الإسهام في إعادة الإعمار، بينما تعترض إسرائيل بشدة على أي وجود عسكري تركي خشية تعاظم نفوذها الإقليمي.
كما يبرز التباين داخل الإدارة الأميركية بين الرغبة في إشراك تركيا والتأكيد على عدم فرضها على تل أبيب، إلى جانب تحفظات عربية تتعلق بالأمن القومي والتوازنات الإقليمية. وفيما يلي نص المقال:
هل تشارك تركيا في القوة الدولية المزمع إنشاؤها في قطاع غزة لمراقبة وقف إطلاق النار، والعمل على تحقيق الاستقرار؟
هذا هو السؤال الحائر حتى كتابة هذه السطور، فما بين رفض صريح للمشاركة وتأكيد واضح لأهمية الحضور، إضافة إلى الضبابية المتعمّدة، تدور مواقف الدول ذات الصلة بإنشاء القوة!
فالبيت الأبيض- بحسب صحيفة واشنطن بوست- يرى أن تركيا "ساهمت بشكل كبير في تحقيق وقف إطلاق النار في غزة من خلال علاقاتها مع حركة حماس، وأنه يمكن أن تلعب أيضا دورا فعالا في إعادة إعمار المنطقة وضمان أمنها".
لكن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تحدث صراحة عن اعتراض إسرائيل على مشاركة تركيا في القوة الدولية، وإن بدا من تعقيبه على الرفض الإسرائيلي أنه غير مقتنع به، بل على العكس يرى أن أنقرة لعبت دورا واضحا ومميزا في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
حماس من جهتها تتمنى مشاركة تركيا في القوة، وأن يكون لها حضور في القطاع المدمر، سواء من ناحية الأمن أو إعادة الإعمار، لكن قوى إقليمية عربية لا تزال تعارض الوجود العسكري التركي.
فيما ترى إسرائيل أن الوجود العسكري التركي في غزة سيعزز من مكانتها في الإقليم، وأنها حال قدومها فلن يكون من السهل إخراجها من القطاع كما حدث في أماكن أخرى.
هذا الجدل المتصاعد يفتح الباب أمام عدد من التساؤلات بشأن مشروع القرار الذي أرسلته الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن بخصوص القوة المزمع تشكيلها في غزة، وهل هناك إمكانية لمشاركة تركيا في تلك القوة؟، ولماذا كل هذا التخوف الإسرائيلي بشأن المشاركة التركية، دون غيرها من المشاركات العربية والإسلامية؟
بحسب نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، فإنه سيكون هناك "دور بنّاء" لأنقرة في تلك القوة المزمع تشكيلها، لكنه أردف مؤكدا أن واشنطن "لن تفرض أي شيء على إسرائيل فيما يتعلق بوجود قوات أجنبية على أراضيها".
إعلان ترامب
أرسلت الولايات المتحدة إلى مجلس الأمن مشروع قرار للتصويت عليه بعنوان: "الخطة الشاملة لإنهاء الصراع في غزة"، الذي يرتكز على "خطة ترامب للسلام والاستقرار" المؤلفة من عشرين بندا، وأهم ما ورد في مشروع القرار:
أولا: إنشاء آلية دولية مدنية للحكم الانتقالي لتنسيق إعادة تأهيل القطاع، وإدارة توزيع المساعدات، ومراقبة نشاط السلطة الفلسطينية ريثما تستكمل تنفيذ الإصلاحات.
ثانيا: وضع رقابة "صارمة" على المساعدات الإنسانية، تزامنا مع إعادة إدخال المساعدات إلى غزة، بحيث يتم ضمان عدم توجيه الموارد إلى حماس، أو المنظمات التي وصفها المشروع بـ"الإرهابية".
ثالثا: إنشاء قوة دولية للاستقرار، وهي قوة مؤقتة متمركزة في غزة بالتنسيق مع إسرائيل، ومصر، وتشمل أهدافها أمن الحدود، ومراقبة عمليات نزع السلاح في القطاع، ومنع إعادة تأهيل البنية التحتية للمقاومة، وحماية المدنيين، ودعم عمليات الإغاثة الإنسانية. وستعمل القوة حتى ديسمبر/كانون الأول 2027، رهنا بتجديد تفويض المجلس.
رابعا: إنشاء قوة شرطة فلسطينية يخضع أفرادها للتدقيق.
خامسا: إنشاء صندوق دولي مخصص لإعادة تأهيل غزة وتمويل المشاريع المدنية والبنية الأساسية.
سادسا: إدارة الشؤون اليومية من قبل لجنة فلسطينية مهنية غير سياسية، تحت مراقبة مجلس الأمن.
سابعا: حث الدول الأعضاء على توفير القوات والمعدات والموارد، ودعم الخطة والهيئات العاملة على الأرض.
هذا المشروع سيتم التصويت عليه في مجلس الأمن لاحقا، وقد تجري عليه بعض الدول تعديلات، لكن في تقديري سيظل جوهر المشروع كما هو، حيث ستتكفل البنود الأساسية بتحقيق عدة أهداف إستراتيجية لدى الولايات المتحدة، ومن خلفها إسرائيل، وأهمّها:
الحيلولة دون عودة الأعمال القتالية مرة أخرى، وذلك بالإشراف على نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وتدمير الأنفاق، وضمان عدم إعادة تأهيلها مرة أخرى، وحماية المدنيين، لكن دون النص على كيفية تلك الحماية، أو كيفية التعامل مع إسرائيل حال أقدمت على مهاجمة المدنيين في القطاع مرة أخرى.
تدويل قطاع غزة من خلال وضعه تحت الوصاية الدولية، فمجلس الأمن سيناط به مهمة مراقبة أداء اللجنة الفلسطينية التي ستدير القطاع.
هذا التدويل سيؤكد فصل الضفة الغربية عن غزة فصلا غير رسمي، مما سيؤدي إلى تضاؤل الأمل في إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
الإنهاء "الرسمي" لدور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" داخل القطاع من خلال الرقابة الدولية "الصارمة" على توزيع المساعدات الإنسانية، حيث لم يشر مشروع القرار إلى أي دور محتمل للوكالة، لحساب "الآلية الدولية للحكم الانتقالي".
تحميل المجتمع الدولي مهمة إعادة إعمار القطاع، من خلال صندوق دولي مخصص لذلك، بعيدا عن إسرائيل المسؤولة عن هذا الدمار الذي لحق بالقطاع، إذ لم يُلزمها مشروع القرار بأي أعباء مالية بهذا الصدد.
ضبابية في واشنطن
يبدو أن الولايات المتحدة لم تحسم قرارها بعد بشأن مشاركة قوات تركية في مهمة حفظ الاستقرار في قطاع غزة.
فبحسب نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، فإنه سيكون هناك "دور بنّاء" لأنقرة في تلك القوة المزمع تشكيلها، لكنه أردف مؤكدا أن واشنطن "لن تفرض أي شيء على إسرائيل فيما يتعلق بوجود قوات أجنبية على أراضيها".
أي إنه أحال الموافقة النهائية على تل أبيب. لكن السفير الأميركي لدى تركيا، توم براك، أكد قبل أيام مشاركة القوات التركية، وذلك ردا على سؤال بشأن الاعتراضات الإسرائيلية، خلال مشاركته في مؤتمر أمني عُقد في العاصمة البحرينية المنامة.
صحيفة واشنطن بوست من جهتها، خصصت مقالا لمناقشة الملف بعنوان: "ترامب يرى أن تركيا تلعب دورا مركزيا في سلام غزة، لكن إسرائيل تعترض على ذلك"، جاء فيه: إن ترامب يعتقد أن تركيا يمكن أن تلعب دورا محوريا في وقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة، على الرغم من اعتراضات إسرائيل.
كما لفت الأنظار إلى أن الانخراط التركي الفعال في غزة سيقوي العلاقات بين أنقرة وواشنطن، ويدفعهما لمزيد من التعاون الدولي في ملفات أخرى، في إشارة ربما إلى ملف الحرب الروسية الأوكرانية الأهم حاليا لدى ترامب.
اعتقال نتنياهو
"لن يكون هناك أي وجود تركي على الأرض"، هكذا حسمت المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية، شوش بيدروسيان، الخلاف في ملف المشاركة التركية.
النفي الحاسم لتل أبيب جاء بعد حوالي ثمانٍ وأربعين ساعة من إصدار المدعي العام في إسطنبول قرار اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وسبعة وثلاثين مسؤولا آخرين، في مقدمتهم وزيرُ الدفاع، يسرائيل كاتس، ورئيس الأركان، إيال زامير، وآخرون.
القرار الذي لا سبيل إلى تنفيذه، يحمل قيمة رمزية على مستقبل علاقة الدولتين في ظل بقاء الحكومة اليمينية بقيادة نتنياهو.
من هنا، فإنه يبدو أن الرفض الإسرائيلي الحاسم، قد يكون ردا على قرارات الاعتقال بحق قيادات الدولة العبرية، لكن في موازاة ذلك، لوحظ أن الإعلام الإسرائيلي نشط في الأيام الأخيرة محذرا الرأي العام من وجود القوات التركية في غزة.
واعتبر أن الوجود التركي المتنوع، عسكريا وتعليميا واقتصاديا، في أنحاء مختلفة من قبرص إلى ليبيا إلى غرب أفريقيا، وصولا إلى القرن الأفريقي والسودان وغيرها، يؤسس لنفوذ مستدام لأنقرة في تلك النقاط الإستراتيجية التي اختيرت بعناية.
وتساءل الإعلام العبري على لسان الجمهور الإسرائيلي: "ماذا سيحدث لو دخلت تركيا غزة كقوة لحفظ السلام؟"، ورد قائلا: "كلما جاءت تركيا لبناء شيء ما، تركت وراءها آليات وكاميرات وقاعدة، هذه ليست نظرية، بل هي منهجية"، مؤكدا: أنه "لا أحد يستطيع إيقاف تركيا بعد ذلك".
هذه التحذيرات تعكس إدراكا إسرائيليا باللحظة الحالية التي تعيشها المنطقة، حيث الصعود التركي المطرد إقليميا وأوروبيا، الأمر الذي تخشى معه إسرائيل أن يترك أثره على الطموحات التركية إذا ما نجحت في إرسال قواتها إلى غزة.
قلق إقليمي.. وإصرار تركي
في موازاة الرفض الإسرائيلي والتردد الأميركي، توجد تحفظات إقليمية على وجود القوات التركية في قطاع غزة، لأسباب متنوعة، منها ما يتعلق بمزاعم تتعلق بمحددات الأمن القومي، ومنها ما يتعلق بادعاءات أن الوجود التركي سيساعد على "تعويم" حركة حماس مجددا في القطاع.
وبعيدا عن الهواجس من حماس وبقائها، ففي تقديري أن مزاعم الأمن القومي يمكن حلها بالحوار بين تركيا وبين بعض الدول العربية، وفي مقدمتها مصر، خاصة أن الحرب في السودان فرضت على الدولتين تنسيق الجهود لمواجهة قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، التي نجحت مؤخرا في الاستيلاء على مدينة الفاشر.
هذا التعاون، الذي بدأت تظهر بعض آثاره على سير المعارك غرب السودان، قد يكون توطئة لبناء قناعات مشتركة أن ضرورات التنافس الإقليمي الطبيعية بين دولتين بحجم تركيا ومصر، يجب ألا تحول دون تنسيق الخطوات في الملفات الشائكة، وفي مقدمتها ملف ترتيب أوضاع قطاع غزة في أعقاب حرب الإبادة الإسرائيلية، التي لم تنتهِ فصولها حتى الآن.
أما في تركيا، فيبدو أن هناك إصرارا تركيا واضحا على إرسال قواتها ضمن القوة الدولية، فبيانات وزارة الدفاع المتتالية تؤكد الجهوزية التامة لوحداتها لتنفيذ أي مهام لحفظ السلام في غزة.
كما تم الإعلان عن إنشاء لواء جديد لحفظ السلام، في مؤشر إلى عدم اكتراث أنقرة للرفض الإسرائيلي المتكرر، التي توقن أن القرار النهائي سيكون في واشنطن وليس تل أبيب، وأنها متى استطاعت التوصل إلى تفاهمات مع ترامب فإن قواتها ستكون من طليعة الداخلين إلى قطاع غزة، لكن بدون تلك الموافقة، فإن الطريق إلى غزة سيبقى مغلقا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!











