أسامة حساني - ترك برس
ثلاث عشر عاماً مضت على تولي حزب العدالة والتنمية لمقاليد الحكم في تركيا، 13 عاماً سبقتها أعوام من الصراع، والعنف، والتدهور الاقتصادي، والسياسي في تركيا.
بلا شك ما زالت فترة التسعينيات التي سبقت تولي حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا تمثل كابوسًا لدى الأتراك، والأكراد معًا، في حين تمثل تلك الفترة الحلم المنشود لدى إسرائيل، وحلفائها.
تركيا التي كانت خلال فترة التسعينيات ملعبًا مفتوحًا أمام جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، لتصل خلال تلك الفترة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى أوجها، إلا أن صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002م قطع السبل أمام الكيان الصهيوني في تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا، وجاء تنصيب "هاكان فيدان" رئيسًا للاستخبارات التركية في عام 2010م ليجهز على ما تبقى من أيدي عملاء الموساد المتغلغلة في مؤسسات الاستخبارات التركية، لذا تسعى إسرائيل وأذنابها جاهدة لإعادة تركيا إلى ما كانت عليه خلال التسعينيات.
لعل الملف الكردي كان أحد أبرز الملفات المهمشة خلال فترة التسعينيات في تركيا، إذ شهد الأكراد خلال تلك الفترة صراعًا طويلًا مع الحكومة التركية، ساهم في خلق تخلف اقتصادي، واجتماعي، وتدهور سياسي.
بدأت الحكومة التركية بمسيرة السلام مع الأكراد منذ إعلان "رجب طيب أردوغان" عام 2005م رئيس وزراء تركيا آنذاك المصالحة الوطنية بين القوميات التركية، على أمل إنهاء صراع دام سنين طوال ما بين القومية الكردية، والتركية، وراحت الحكومة التركية تضع القوانين، وتمهد الطريق أمام إنجاح هذه المصالحة الوطنية، وإعادة الثقة ما بين القوميات التركية، وتعزيز الديمقراطية.
وخلال فترة التحول الديمقراطي تلك بذلت الحكومة التركية جهودًا مهمة من أجل توسيع الحقوق الثقافية الخاصة بالأكراد، وإشراكهم بشكل فعّال في الحياة السياسية، فكان من أبرز الإصلاحات التي صنعتها حكومة حزب العدالة والتنمية السماح بالبث باللغة الكردية، وهو الأمر الذي كان يُنظر إليه على أنه مصدر للخطر، ويواجه بالرفض على مدى سنوات طويلة، ونتيجة لهذا بدأت إحدى قنوات التلفزيون التركي الرسمي "TRT6" البث باللغة الكردية بشكل كامل في عام 2008م، وفي عام 2009م تم السماح بالبث بهذه اللغات بشكل مستمر في الإذاعات والقنوات التلفزيونية الخاصة، وبدأ البث باللغتين العربية والكردية على شاشات التلفزيون التركي الرسمي.
وفي حين كانت تبدو تركيا في فترة التسعينيات وكأنها مقبرة لأي حزب سياسي، نظرًا لسهولة غلق الأحزاب السياسية، ففي فترة التسعينيات فقط تم غلق حوالي عشرين حزبًا سياسيًا بموجب قرارات المحكمة الدستورية لعدة أسباب موضوعية وغير موضوعية، مما كان يشكّل عائقًا أمام بروز أي حزب سياسي كردي فعّال، واستمرت الأمور على هذا الحال إلى حين صدور التعديلات الدستورية على قانون الأحزاب السياسية عام 2002م.
جرت تعديلات على قانون الأحزاب السياسية في إطار الحزمة القانونية الثانية للتوافق مع الاتحاد الأوروبي الصادرة عام 2002م، حيث استبدل خيار غلق الأحزاب بخيار "الحرمان الجزئي أو الكلي من معونة الدولة"، كما صدر أمران جديدان حسب التعديل الدستوري عام 2010م حيث أُلغي موضوع إسقاط عضوية النائب البرلماني الذي يتسبب في غلق حزبه بناءًا على قرار الغلق، وضرورة تحقيق نسبة الثلثين عند التصويت في الاجتماع المنعقد من أجل إصدار المحكمة الدستورية قراراً بغلق حزب سياسي.
ويرى مراقبون أنه بفضل سياسة الانفتاح على الأكراد التي انتهجها حزب العدالة والتنمية خلال السنوات الماضية، تمكن أخيرًا أحد الأحزاب الكردية حزب الشعوب الديمقراطي "HDP" من النجاح بدخول البرلمان التركي عقب الانتخابات البرلمانية التركية في السابع من حزيران/ يونيو 2015م، وفي حين توقع الكثير أن يساهم هذا الفوز في إبعاد النزعات الانفصالية لدى الأكراد في تركيا، إلا أن سياسة القوى الظلامية في المنطقة أبت أن يتم هذا النجاح السياسي في المصالحة الوطنية التركية الكردية، فراحت تستهدف أمن تركيا من خلال الأحزاب الكردية نفسها سواءًا بشكل مباشر أو غير مباشر، بغية عرقلة مسيرة السلام، وإعادة تركيا إلى فترة التسعينيات المظلمة.
حزب الشعوب الديمقراطي الذي ما كان ليظهر بهذه القوة لولا سياسة الانفتاح التي اتبعها "أردوغان" كان قد أطلق منذ أيام عبر حسابه الرسمي على موقع "تويتر" وسم "لن نجعلك رئيسًا"، متناسيًا أن حزب العدالة والتنمية ما زال أكبر الأحزاب التركية، منذ 13 عامًا إلى الآن، ولديه القاعدة الشعبية الأكبر.
حزب الشعوب الديمقراطي الذي بذل جهدًا قبيل الانتخابات الفائتة من أجل كسر صورته النمطية، والترويج على أنه حزب منفتح على كافة شرائح المجتمع التركي، بمجرد أن تعدى العتبة الانتخابية راح بعض نوابه يطلقون التصريحات التي لا تتوافق مع الصورة التي حاول رسمها قبيل الانتخابات، إذ في تصريح لإحدى نوابه "فيغان يوكسك داغ" الرئيس المشارك للحزب من ولاية أورفا ذات الأقلية الكردية قالت: "نحن نسند ظهورنا بحزب الاتحاد الديمقراطي PYD (الذراع المسلح لحزب العمال الكردستاني في سوريا) ووحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ (الإرهابية)، ولا أرى ما يمنع إشهارانا لهذا الأمر والدّفاع عنه"، وفي تصريح آخر لـ"عبد الله زيدان" النائب في البرلمان التركي من نفس الحزب (HDP) قال: "إنّ تنظيم حزب العمال الكردستاني (PKK) يملك القدرة على خنق تركيا ببصقة"، فكيف لحزب مثل هذا أن يدعي تبنيه لكافة شرائح المجتمع التركي!".
كان على حزب الشعوب الديمقراطي أن يدرك أولًا أنه وصل إلى نقطة تاريخية عقب تخطيه العتبة الانتخابية، وقد أتيحت أمامه فرصة قد لا تتكرر ثانيةً، وعوضًا عن تسخير هذه المرحلة في اكتساب ثقة الشعب التركي، راح الشعوب الديمقراطي يطلق الشعارات الحاقدة والمبغضة لزعيم أوصل تركيا إلى أوج عظمتها، ورسّخ مفاهيم الديمقراطية، بعد أن كانت تركيا دولة منغلقة على نفسها، مستبدة على الأكراد خلال فترة التسعينيات!
على الأكراد أن يعُوا تمامًا، أنه في الوقت الذي تبذل فيه الأيدي السوداء جهدها لإطفاء شعلة تركيا، وإخراجها عن الساحة الدولية، بات الملف الكردي الوسيلة الأقرب للوصول إلى غايات التدخل الإيراني، والأمريكي في تركيا، وفي المنطقة على حد سواء، وبتحويل المشروع السياسي الكردي في تركيا إلى مشروع عدواني بعد اقترابه من النجاح، سيكون الخاسر الأكبر منه هم الأكراد نفسهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس