أسامة حساني – خاص ترك برس
يمكن اعتبار عهد السلطان "سليم الثالث" الممتد ما بين عامي 1789 – 1807م تمهيدًا لبداية ظهور الأدب التركي الحديث، وذلك لما اتسم به من دعم للإصلاح، فضلًا عن تعمق العلاقات التركية الغربية آنذاك، مما أدى إلى اتجاهات فكرية جديدة، تمثلت في الأخذ عن الآداب الأوروبية، فنشطت حركات الترجمة، وبدأت المؤسسات العلمية تميل إلى العمل بالمناهج الأوروبية.
ثم جاء عهد السلطان "محمود الثاني" بين عامي 1808 – 1839م، وقد عُرِف بميله للتجديد والإصلاح والأخذ عن الغرب، فعمل على تنظيم الجيش التركي محتذياً بالنظم الفرنسية، واعتنى بمدارس تعليم اللغات، كما اهتم بالمكتبات، وأكثر من إرسال البعثات العلمية إلى باريس ولندن.
أما في عهد السلطان "عبد المجيد" الممتد ما بين عامي 1829 – 1861م، فقد ظهر أدب جديد أُطلِق عليه اسم "أدب التنظيمات"، وقد أبدى هذا الأدب المشاكل الإجتماعية اهتمامًا أكبر متأثرًا بالدول الغربية وخاصة فرنسا، وفي هذه المرحلة تفتحت عيون الأدباء على الدنيا، حيث رحل البعض منهم إلى أوروبا لأسباب عدة، فمنهم من رحل برغبته، ومنهم لأسباب سياسية، فخالطوا الغرب، وأثروا وتأثروا بالأدب الغربي، وقد اتسمت تلك الفترة كلغة ثقافية، إذ عرف الأتراك أوروبا عن طريق فرنسا، حتى أنه كان يطلق على الأوربي "فرنسي"، ولهذا فإن أغلب أدباء عهد التنظيمات كانوا ملمين باللغة الفرنسية وآدابها.
من رواد أدب التنظيمات الذين برزوا آنذاك عاكف باشا (1787 – 1845م)، وهو شاعر، وأديب عثماني، فضلًا عن كونه أول وزير خارجية للدولة العثمانية، وقد عُدت قصيدته الشعرية "قصيدة العدم" تجديداً من حيث الموضوع في عصره، وذلك كونها تناولت معنى واحدًا، وهذا ما لا نجده في الأدب القديم، وله مرثية يبكي بها حفيدته، يُعتقد أنها السبب الأبرز في شهرته، يقول فيها: "بنيتي الجميلة، لا نسيان لك على مر الأيام والشهور والأعوام، لقد جرعتني المر من فرقتك، وإن لك لثغات حلوة وكلمات عذبة لا تزال تتردد في قلبي، لا سبيل اليوم إلى قبلة من غضارة جسمك! ويلاه ما صنع القبر بحسنك، وإذا ذكرت ثغرك الجميل بوردة البستان، وددت أن تحترق الورود من حر أنفاسي...".
كما نذكر الشاعر والأديب التركي "نامق كمال"، الذي عُرِف بـ "شاعر الوطن" و "شاعر الحرية"، ويعد رائد التحديث في الأدب التركي، إذ أضاف للأدب التركي أعمالاً متنوعة من الشعر، والمسرح، والرواية، والنقد، تقول الأديبة التركية "خالدة أديب": "لم يبلغ أحد ممن وقفوا جهودهم الأدبية على القضية الوطنية في عهد التنظيمات ما بلغ كمال".
تناول في شعره موضوعات مثل الحرية، واحترام الشعوب، والثورة ضد الظلم، ويُذكر أنه بدأ بصياغة الشعر وهو في الرابعة عشرة من عمره، وقد بدأ يبتعد عن القديم ويتجه نحو الأدب الحديث بعد أن تعرف على الأديب "إبراهيم شناسي" الذي كان من دعاة تحديث الأدب العثماني، وقد تبنى كمال مفهوم "الفن من أجل المجتمع"، واحتذى بالأدب الفرنسي، ومن أشهر أعماله رواية "انتباه"، ومسرحية "كلنهال (شجيرة الورد)"، ومسرحية "عاكف بك"، وله مجموعة من الأشعار الوطنية تحت عنوان "واويلا"، وظفر نامه، يقول في إحدى قصائده المعروفة باسم "قصيدة الحرية": "..نحن أصحاب الهمم العالية والكد والجد، وحسبنا أننا خلقنا هذه الدولة الكبرى من تلك العشيرة الصغرى. نحن أصحاب النفوس الأبية، وإذا ما جد جدنا، فتراب القبر أهون من تراب الذل عندنا. ولا نبالي بنار الهول ما دامت في سبيل حريتنا، أيفر إنسان من ميدان الشرف والحمية خوفاً على روح!..".
*مصادر:
تاريخ الأدب التركي – د. حسين مجيب المصري
جوانب مضيئة في تاريخ العثمانيين الأتراك – زياد أبو غنيمة
السلطان عبد الحميد الثاني والعالم الإسلامي - قيصر فرح
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس