جلال سلمي - خاص ترك برس

صرح مهندس السياسة الخارجية التركية الحديثة رئيس وزراء تركيا أحمد داود أوغلو في أحد الخطابات الصحفية الخاصة بتقييم الاقتصاد التركي خلال عام 2014 والربع الأول من عام 2015 بأن "الاقتصاد التركي فقد 40% من مستوى صادراته جراء الأحداث الجارية في الشرق الأوسط وعلى رأسها العراق وسوريا".

بعد تولي أحمد داود أوغلو لوزراة الخارجية عام 2009 نشطت العلاقات السياسية الاقتصادية بين تركيا وجميع جيرانها بشكل واضح وذلك تماشيًا مع مبدأ "تصفير المشاكل"، وتطورت العلاقات التجارية وزاد نشاطها إلى أن وصلت ذروتها بتاريخ 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014 بعد رفع التأشيرات بشكل متبادل بين العراق وتركيا.

وتفيد وزارة التجارة والصناعة التركية بأن "العراق كان يستورد من تركيا بشكل مكثف الصناعات الحديدية والكهربائية والمكائن والزيوت النباتية والحبوب".

ولكن لم تدم هذه التجارة المزدهرة والطرق المفتوحة دون أي قيد أو شرط سوى بضع شهور إذ استطاعت داعش في شهر حزيران/ يونيو 2014 السيطرة على الموصل المدينة الحدودية الحيوية بين الحكومة المركزية للعراق وتركيا وبالتالي قُطعت خطوط التجارة التركية والعراقية المباشرة بشكل شبه كامل وتحولت خطوط التجارة بين تركيا والعراق إلى طُرق غير مباشرة أي أصبحت تمر بين تركيا والعراق من خلال منطقة شمال العراق المستقلة ذاتيًا "كردستان العراق".

تذكر مؤسسة الإحصاء التركية بأن "العراق خلال عام 2014 كان في المرتبة الثانية بين الدول الأكثر استيرادًا للبضائع من تركيا"، وتبين المؤسسة بأن "حجم صادرات تركيا للعراق بلغ 11 مليار و949 مليون وكان من المتوقع حدوث ارتفاع إيجابي في هذا العدد لو لم تسيطر داعش على مدينة الموصل الحيوية الأمر الذي جعل حجم الصادرات يتلقى ضربة قاسية وجعلته ينخفض بنسبة 58%".

وكما يبين الخبير الاقتصادي التركي والباحث في مركز الدراسات والتحليلات الاستراتيجية أحمد أقين، في مقال له نشره على صفحة المركز الرئيسية 16 تموز/ يوليو 2014، بأن "حجم الصادرات لم يكن الوحيد الذي انخفض جراء ما يحدث في العراق، وإنّما هناك انخفاض حاد أيضًا في حجم الاستثمارات التركية في العراق، حيث كانت أغلب مشاريع الإنشاء والطاقة في أيدي مستثمرين وعاملين أتراك، ولكن بعد نشوب الأحداث الدموية في العراق انخفض حجم الاستثمار التركي بشكل كبير وملحوظ في العراق الأمر الذي جعل مردود العملة الصعبة الضخمة التي كانت تُرد إلى تركيا ومصارفها ينخفض بشكل ملموس نتيجة لما يحدث الآن من فوضى في العراق".

ويضيف أقين أن "مسعود برزاني بعد اغتصاب داعش للموصل قرر إجراء استفتاء شعبي في نهاية عام 2015 لإعلان الاستقلال التام عن الحكومة المركزية في العراق، الأمر الذي يمكن أن تعده الحكومة المركزية عملية انشقاق قومية وبالتالي قد تهجم بجيشها وترسانها على شمال العراق مما يشعل حربًا دموية تحرم موارد الاقتصاد التركي من الذهاب تمامًا إلى العراق وبذلك تنخفض نسبة الصادرات التركية للعراق بنسبة 100%".

وتشير مؤسسة العلاقات الاقتصادية الخارجية التابعة لوزارة الاقتصاد التركية إلى أن "العراق كان يُستخدم كممر تجاري للوصول إلى دول الخليج "الكويت، والسعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين، وعمان" ولكن بعد الأزمة الداخلية التي ألمت به بعد سيطرة داعش على الموصل في شهر يونيو من العام المنصرم، تأثرت التجارة التركية بشكل سلبي وسيء، وذلك بسبب ارتفاع حجم الخدمات اللوجستية التي جعلت الكثير من التجار ورجال الأعمال الخليجيين يحوّلون أنظارهم عن تركيا ويتجهون إلى دول أقل تكلفة من الناحية اللوجستية".

وذكرت وزارة الخارجية التركية، في تقرير تقييمي للعلاقات الاقتصادية التركية العراقية في الفترة الحالية، أن" الشركات التركية تركز الآن أنشطتها التجارية والعملية في المناطق الكردية "السليمانية، ودهوك، وزاخو، وأربيل" لما تتمتع به من أمن نسبي، ولكن الفوضى السياسية وأزمة الحرب الداخلية والهجرة الداخلية الضخمة والبطالة المرتفعة وأسعار النفط المرتفعة بشكل كبير في تلك المناطق تجعل تكاليف الاستثمار والإنتاج والتأمينات للشركات التركية الموجودة في تلك المناطق مرتفعة وضخمة، الأمر الذي سيدفع هذه الشركات في نهاية المطاف نحو التخلي عن الاستثمار في تلك المناطق والرجوع إلى تركيا".

وتفيد التقارير التي نشرتها وزارة الخارجية على صفحتها الرئيسية بعد الزيارات المكثفة لأفريقيا وجنوب أمريكا والتقارير والمقالات التحليلية المتعلقة بذات الشأن بأن "هذه الزيارات جاءت نتجية البحث عن بديل لتردّي حجم الصادرات للعراق بشكل خاص ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، الأمر الذي أدى إلى انخفاض كبير وهائل في حجم الحساب الجاري التركي ولسد العجز الذي شهده الحساب الجاري تسعى تركيا في الفترة الأخيرة إلى تعويض علاقتها الاقتصادية التجارية عن طريق إنشاء علاقات اقتصادية قوية مع دول أفريقيا وأمريكا الجنوبية".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!