جلال سلمي - خاص ترك برس
يفيد الكثير من المطلعين على الشؤون التركية بأن سياسة الاستقطاب نتجت بشكل واضح في تركيا بعد قيام حزب العدالة والتنمية بالتضحية ببعض من شعبيته وقبل إعطاء المواطنين الأكراد في تركيا الكثير من الحقوق التي كانوا محرومين منها منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923.
استطاع حزب العدالة والتنمية، الحزب الذي انفصل عام 1998 عن حزب الفضيلة الإسلامي تحت اسم جناح الشاب التركي المُجدد، تولي مقاليد الحكم في تركيا عام 2002 بعد تحقيقه نسبة 34% وبقاء حزبي الحركة القومية وحزب الطريق الصحيح تحت إطار السقف الانتخابي أي تحت معدل 10% الأمر الذي جعل هذا النسبة تنتقل إلى رصيد حزب العدالة والتنمية وبذلك أصبحت نسبة فوزه 52% مما تمكن من تأسيس حكومة تنفيذية بمفرده في أول انتخابات برلمانية يخوضها.
ويبين الباحث السياسي التركي أمين إينجي، في مقال له بعنوان "مستوى الاستقطاب في تركيا" نُشر بتاريخ 13 نيسان/ أبريل 2015 في موقع المقال السياسي التركي الإلكتروني، بأنه "عندما أتى حزب العدالة والتنمية على رأس الحكم كانت تركيا بكافة مواطنيها تسعى إلى التداوي من الجراح التي سببتها الأزمات الاقتصادية القاحطة التي أصابت تركيا عام 1998 وعام 2002، وفور تولي حزب العدالة والتنمية للحكم عمل على إرساء علاقات طيبة مع دول الغرب وكانت سياسته الداخلية والخارجية متوافقة مع أصوات جميع الناخبين، وما أوضح بأن سياسته متلائمة مع مطالب الشعب السياسية والاقتصادية هو قطفه لثمار الإرادة الشعبية عام 2007، حيث خرج الشعب عن بكرة أبيه للوقوف بجانب حزب العدالة والتنمية ضد ادعاءات الانقلاب التي أعلنها الجيش على صفحته الإلكترونية بتاريخ 27 أبريل 2007 ونسبة الأصوات العالية التي حصل عليها عام 2011 والتي كان معدلها المئوي 49,83%".
ويضيف إينجي بأن "حزب العدالة والتنمية استمر في هذه السياسة الحاضنة إلى عام 2012 ولكن بعد ذلك العام أصبح ذو سيادة عالية على وسائل الإعلام واتخذ خطوة أحدثت سياسة استقطاب لا مثيل لها في التاريخ التركي وهي قيامه بتوقيع عملية "السلام الداخلي" مع "الإرهابي" عبد الله أوجلان الأمر الذي أحدث شرخ واسع بين فئات المجتمع التركي وجعلت الكثير من ناخبي حزب العدالة والتنمية يُستقطبون من قبل الأحزاب الأخرى وعلى رأسها حزب الحركة القومية".
ويشير الكاتب السياسي في جريدة طرف التركية صافان نيشانيان إلى أن "للأسف، خاصة رئيس الوزراء في ذلك العهد رجب طيب أردوغان موقفه لم يكن حاضنًا للشعب والمتظاهرين بل كان مُحرضًا ومضادًا لهم، بغض النظر أسواء كان المتظاهرون على حق أو على باطل كان لا بد من استخدام اللسان الناعم معهم والاستماع لمطالبهم، وإن كانت غير منطقية، بدلًا من تسيير سياسة الاستقطاب وتجميع مسيرات ضخمة مساندة لرجب طيب أردوغان، مثل التي حدثت أثناء استقباله في مطار أتاتورك الدولي عقب رجوعه من زيارته إلى بلاد المغرب العربي، هذه المسيرات، بكل أسف، أحدثت انقسامًا واستقطابًا مُرعبًا داخل فئات الشعب التركي".
يضيف نيشانيان بأن "هذا الاستقطاب ظهر بعد وصف أحزاب المعارضة وأنصارها بأن كل من يعطي صوته لحزب العدالة والتنمية هو خائن للوطن، وهو ما جعل مناصري حزب العدالة والتنمية ذي الطابع المحافظ والإسلامي يبدون الكره والسخط ضد الفئات المناصرة لأحزاب المعارضة ومن هنا انطلقت سياسة الاستقطاب القاتلة داخل المجتمع التركي من جديد بعدما كانت انتهت بشكل شبه كامل عام 1980".
ويفيد الخبير الإعلامي محرم صاري كايا، في مقال له " سوء الفهم الإعلامي" نُشرت في جريدة خبر ترك بتاريخ 26 آذار/ مارس 2015، بأن "تكرار حزب العدالة والتنمية لقضية "الكيان الموازي" أحدثت سياسة استقطاب شنيعة داخل المجتمع التركي وأحدثت بلادة قاتلة لدى الكثير من فئات المجتمع جعلت الكثير منهم يحيدون عن حزب العدالة والتنمية وينتقلون إلى أحزاب أخرى وهذا ما أحدث استقطاب وانقسام بين فئات وطبقات المجتمع التركي".
ويضيف صاري كايا بأنه "لا بد لحزب العدالة والتنمية من استرجاع ماضيه في السياسة الحاضنة لجميع طبقات وفئات المجتمع دون أي تفرقة أو تمييز، وكما لا بُد له من اتباع أساليب أكثر نجاعة وصرامة في حل "القضية الكردية" دون تقديم العديد من التنازلات دون مقابل كما حدث في عملية السلام الأخيرة، ويجب على حزب العدالة والتنمية أن يكون أكثر واقعية ويكف عن وصف كل مايحدث ضده من مظاهرات أو احتجاجات أو سوء حظ لم يحالفه هو مؤامرة كونية لا بد من نهج واقعي يعيد اللحمة الوطنية للشعب التركي ويُعيد لحزب العدالة والتنمية صورته الحاصنة للجميع دون أي تمييز ليستعيد عافيته ويحصل على نسبة تمكنه من تأسيس حكومة بمفرده تعيد الاستقرار السياسي والاقتصادي لتركيا".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!