أنور عبد الله الرواحنة - خاص ترك برس

طرحت في المقالة السابقة بشكل عابر وموجز "فرضية" أن التحالف الغربي (بما فيه حلفائه في الشرق الأوسط) لا يستطيع تحمل "تكلفة خسارته" لزمام المبادرة في منطقة الشرق الأوسط، لما لذلك من عواقب استراتيجية "مدمرة" على مصالحهم القومية العليا، وربما "قاتلة" للبعض الأخر، الذي من شأنه أن يؤدي إلى "سقوط" أو "تقهقر" هذا التحالف لسنوات أو عقود قادمة، سياسيًا وجيوسياسيًا واستراتيجيًا، بالأخص على الولايات المتحدة.

توضيحًا لذلك، تاريخيًا، بالإضافة إلى أهميتها كمهد للأديان والحضارات، تعتبر منطقة الشرق الأوسط أيضًا "مسرح الحروب الضروس" التي على أرضها ومن أجل الهيمنة عليها شهدت سقوط دول وإمبرطوريات وصعود أخرى (كسقوط إمبراطوريتي فارس والروم وصعود الإمبراطورية الإسلامية قديمًا وصولًا في العصر الحديث إلى سقوط الإمبراطوريات الإسلامية (أي الدولة العثمانية) والبريطانية والفرنسية والسوفيتية وفي المقابل صعود الإمبراطوريات الأمريكية والصينية والروسية).

بحسب "توصيفات" بعض المراقبين، جاء التدخل العسكري الروسي في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط بطريقة "مهينة" للتحالف الغربي الذي من شأنه أن يقلب "ميزان القوى" فيما بعد وبالتالي قد يؤدي بالتحالف الغربي ان يفقد زمام المبادرة في المنطقة، وربما بالمحصلة النهائية قد يؤدي إلى خروجه من "مسرح عمليات" الشرق الأوسط لسنوات أو عقود قادمة.

آخذين بعين الاعتبار التفاوت في "ميزان القوى" السياسي والاقتصادي والتكنولوجي والعسكري بين المعسكرين، على ما يبدو، "تغاضي" التحالف الغربي عن "تمادي" التدخل العسكري الروسي في سوريا والمنطقة حتى اللحظة يندرج تحت "الاستدراج أو التوريط التكتيكي" لروسيا بهدف استنزاف طاقتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، هي وحلفائها في إيران والعراق ولبنان، وذلك على طريقة نموذج "الحرب الباردة" بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، الذي أدى في النهاية إلى استنزاف الطاقات السياسية والإقتصادية والعسكرية للاتحاد السوفيتي سابقًا، وبالتالي إلى سقوط الإمبراطورية السوفيتية وحلفائها في أوروبا الشرقية سابقًا.

على الأرجح، لقد "تورطت" روسيا في قرارها الإستراتيجي بالتدخل العسكري في سوريا، وانسحابها هي وحلفاؤها الآن غير وارد، فالانسحاب من شأنه أن يعطي مؤشر بـ "الاستسلام" أو "الخضوع" إلى التحالف الغربي، وبالأخص إلى الولايات المتحدة. في المقابل، التحالف الغربي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، تلقى "إهانة روسية" كبيرة وقبوله بهذا الواقع أيضًا غير وارد، فالقبول به يعني بكل وضوح وصراحة "بداية النهاية" له في المنطقة، وربما في العالم.

نظريًا، النزاعات بين الشعوب والأمم هو "الحالة الطبيعية"، الذي ينتج عنها في الأغلب سقوط دول وإمبراطوريات وصعود أخرى الذي مرده في الأصل إلى سوء إدارة النزاع وعلى آلية رسم السياسات واتخاذ القرارت القائمة على "عدم الموضوعية" و "العقلانية المحدودة"، الأمر الذي يؤكده اليوم ما وصلت إليه الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في كلا المعسكرين تجاه "ثورات الربيع العربي"، وبالتحديد قرار روسيا وإيران تجاه الثورة السورية.

الفكرة هنا، أو "الفرضية"، ليس إذا ما كنا سنشهد سقوط دول وصعود أخرى، أو إذا ما كنا سنشهد سقوط أو تقهقر إمبراطورية وصعود أخرى، لاننا "بكل تأكيد" سنشهد ذلك في المستقبل المنظور، فنحن أمام "مرحلة تاريخية مفصلية" ستشهد ذلك "بلا شك" نتيجة لــ "الموجة الديمقراطية الرابعة" (أي نتيجة لــ "ثورات الربيع العربي").

وعليه، تبقى لدينا خمسة أسئلة ستحدد "خارطة الطريق"، إقليميًا ودوليًا، في حالة الإجابة عليها وهي: من تكون تلك الدول التي ستسقط ومن تكون تلك التي ستصعد..؟ ومن تكون تلك الإمبراطورية (أو الدولة العظمى أو الكبرى) التي ستسقط أو تتقهقر ومن تكون تلك التي ستصعد..؟ وهل سنشهد صعود دولة تركية فاعلة إقليميًا ذات تأثير دولي..؟ وهل سيندم التحالف الغربي على "تآمره" على "ثورات الربيع العربي"، بما في ذلك "تآمره" على "الإسلام السياسي المعتدل"، لا بل هل سيندم التحالف الغربي على دعمه لــ "الثورات المضادة" في مصر وليبيا وتونس واليمن وتخاذله تجاه الثورة السورية..؟ وما هي طبيعة التحالفات "الجديدة" التي ستنتج بعد إنتهاء هذا النزاع..؟

وهذا ما ستجيب عليه الأيام وإن غدًا لناظره قريب... والله أعلم

عن الكاتب

أنور عبد الله الرواحنة

باحث مختص في إدارة النزاعات ورسم السياسات