أنور عبد الله الرواحنة - خاص ترك برس
طرحت في مقالتي السابقة "فرضية" أن يكون لتركيا "اليد العليا" في إدارة النزاع في سوريا على غرار "النموذج الباكستاني" في أفغانستان. بادئ ذي بدء، فرضية هذا التدخل تقوم على "شرطين أساسيين"، وهما، أولًا، عدم وجود "اتفاق غير معلن" بين روسيا والغرب "يبارك" التدخل الروسي في سوريا و/أو إستدراج تركيا إلى هذا النزاع بشكل مباشر مع روسيا (لغاية في نفس يعقوب)، وثانيًا، توفر "الدافع القوي" لدى الدول الغربية والعربية الفاعلة والمعنية في مواجهة هذا التدخل الروسي (وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ودولة قطر).
استكمالًا للمقالة السابقة، وفي ظل توفر "الشرطين السابقين أعلاه"، على الأرجح، ان الخيارات أمام تركيا ستكون "مفتوحة على مصراعيها" حيث ستسعى معظم الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة (إن لم يكن "كل" تلك الأطراف) إلى "استقطاب" تركيا إلى جانبها (وهذا ما ذهبت بإتجاهه عدد من المقالات والدراسات، بالأخص بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا).
برغماتيًا، يمكن لتركيا أن تحقق مصالحها مع أي من طرفي المعادلة الرئيسيين في النزاع (روسيا أو الغرب) الذي سينعكس عليها بالكثير من المكاسب والقليل من الخسائر. فعلى سبيل المثال، في حالة التحالف مع روسيا، يمكن لتركيا أن تبني "اتفاقيات" أو "تفاهمات" مع روسيا تتعهد من خلالها تركيا لروسيا بعدم الدخول في أي تحالف غربي "محتمل" في المستقبل ضد التدخل العسكري الروسي في سوريا على أن تتعهد روسيا في المقابل بتقديم بعض "تنازلات" أو "المكاسب" لتركيا بخصوص عدة مسائل.
ومن أهم تلك "التنازلات" التي على تركيا الحصول عليها من الجانب الروسي، على سبيل المثال: أولًا، الإتفاق على إنشاء منطقة أمنة في شمال سوريا يكون لتركيا "الأفضلية" في "إدارة النزاع" فيها من خلال (على أقل تقدير) إعادة تأهيل وإعمار تلك المنطقة. ثانياً، الإتفاق مع روسيا أن تكون الضربات الجوية الروسية موجهة ضد تنظيم الدولة الإسلامية "فقط" على أن تضمن تركيا في المقابل التنظيمات السورية المتحالفة معها بعدم التعرض للقوات الروسية على المدى القريب، كأقل تقدير، من خلال "التقسيم الزماني والمكاني" لأطراف النزاع الداخلية في سوريا. ثالثًا، يتعهد الطرف الروسي بعدم السماح للطرف الكردي في سوريا بإنشاء أي كيان سياسي في منطقة شمال سوريا ذو نزعة "انفصالية".
في المقابل، وبرغماتيًا أيضًا، إذا ما قام الغرب ودول الخليج العربي بالطلب من تركيا ان تلعب دور أكثر فاعلية لإدارة النزاع في سوريا، وبعيدًا عن التوترات التي مرت العلاقات التركية-الغربية مؤخرًا، إلا ان الدول الغربية عمومًا (وبالأخص الولايات المتحدة) تعي جيدًا ماذا يعني خسارة إستقطاب تركيا في هذا النزاع، أقلها بأن يسيطر الطرف الروسي على مجريات الأحداث السياسية والجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط لسنوات أو لعقود قادمة لا يستطيع الغرب تحمل "تكلفة خسارتها".
وعليه، ما كان من "المتوقع" ان تحصل عليه تركيا من الطرف الروسي من "تنازلات" أو "تفاهمات" يمكن أيضاً ان تحصل عليه من الغرب وحلفائها في الخليج العربي، منها على سبيل المثال: أولًا، ان يكون الهدف "الأول" من التدخل الغربي هو إسقاط نظام بشار الأسد. ثانيًا، ان تلعب تركيا دور "أكثر فاعلية" إدارة النزاع في سوريا من خلال "الإشراف أمنيًا وعسكريًا" على التنظيمات التي ستدخل في القتال أو "الجهاد" ضد بشار الأسد، بالأخص التي تدخل من الجبهة الجنوبية لتركيا. ثالثًا، يقدم الغرب تعهدات بعدم الإعتراف بأي طرف كردي أو علوي أو أيًا كان بإنشاء كيان ذو نزعة "انفصالية" في سوريا، ورابعًا: المساهمة التركية الفاعلة في إعادة تأهيل وإعمار سوريا بعد انتهاء الحرب.
بإيجاز، في ظل توفر "الشرطين السابقين أعلاه"، من المحتمل ان تكون تركيا اليوم أمام "فرصة ذهبية" ربما من الصعب أن تتكرر على المدى القريب، وربما المدى المتوسط، الذي قد يجعل منها "بيضة القبان" في الأيام أو الأسابيع القليلة القادمة سيسعى الأطراف الفاعلة في النزاع الدائر في سوريا لاستقطابها، إن لم يكن "كل" تلك الأطراف. ولكن كل ذلك سيعتمد على مقدرة القيادة التركية في "إدارة النزاع والمفاوضات"، أقلها من خلال تفادي بعض "الأخطاء الإستراتيجية" التي لم ينجح "النموذج الباكستاني" في أفغانستان في تحقيق المكاسب المرجوة منها، بإسثناء مكسب الحصول على "مقدرة الردع النووي"، "القنبلة النووية". يبقى هناك ثلاثة "أسئلة إستراتيجية" لا زالت بحاجة إلى الإجابة عليها، وهي، هل كان التدخل الروسي بالاتفاق مع بعض الأطراف الغربية الفاعلة تمهيدًا لتقسيم سوريا؟ وكم سيطول هذا التدخل الروسي في سوريا، ومنطقة الشرق الأوسط؟ وهل من ضمن أهداف هذا التدخل إضعاف الدولة التركية بعد صعودها كقوة إقليمية فاعلة...؟ وهو الأمر الذي ستجيب عنه الأيام القادمة، لتبدي لك الأيام ما كان خافيًا... والله أعلم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس