ترك برس
أحرزت أساطيل الملاحة الأوروبية توغلًا ملحوظًا في البحار والمحيطات الدولية، عقب اكتشاف أمريكا من قِبل البحار الإيطالي كريستوفر كولومبوس عام 1492، إذ بعد اكتشاف كولومبوس لأمريكا، تضاعفت الرحلات الأوروبية إلى أمريكا، ومع مرور الوقت اكتسبت الخبرة العالية، وأصبحت من أغنى الأساطيل نتيجة للمعادن القيمة التي حصلت عليها من العالم الجديد.
ومن أشهر الأساطيل الأوروبية التي عُرفت بتوسعها في البحار المفتوحة واستعمارها وسلبها للمدن الساحلية التي تجدها أمامها الأسطول "البرتغالي". تزامن التوغل البرتغالي البحري مع تولي السلطان العثماني التاسع سليم الأول لمقاليد الحكم عام 1512م، عندما تولى السلطان سليم الأول للحكم كان التهديد البرتغالي والحرب البرتغالية ضد منطقة الخليج العربي على أشدها، وكان قائد الحملة البرتغالية المُستهدفة لمنطقة الخليج يطلق عليه "أفسونو دا بوكيرك". بوكيرك كان عازمًا ومصرًا على فتح بلاد الخليج العربي وبالتحديد بلاد الحجاز لهدم الكعبة والاستيلاء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومقتنياته، وكان يهدف بوكيرك من الاستيلاء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم مقايضة المسلمين به ببيت المُقدس، يُسلم بوكيرك قبر النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين ويُسلم المسلمون له بيت المقدس دون أي مناوشات، أما مقتنياته صلى الله عليه وسلم فكان على نية لإلقائها في البحر.
كانت بلاد الحجاز آنذاك خاضعة لحكم المماليك، وكانت المماليك تحارب ضد بوكيرك بكل همة وبسالة، وطالب المماليك السلطان العثماني بيازيد الثاني "والد سليم الأول" بالمساعدة ومد يد العون لهم، فأرسل لهم أسطولًا بحريًا وبعضًا من مستلزمات الحرب ولكن بوكيرك علم بتلك المساعدة واستولى على بعضها ببراعته البحرية قبل وصولها للمماليك، على الرغم من وصول كميات قليلة من المساعدة التي أرسلها سليم الأول للمماليك إلا أنها كانت كافية لصد بوكيرك عن ديار المسلمين.
عندما تولى سليم الأول مقاليد الحكم كان يواجهه أيضًا الخطر الصفوي بقيادة الشاه إسماعيل وأتته معلومات استخباراتية بأن الشاه إسماعيل يسعى للتحالف مع بوكيرك للسيطرة على الخليج العربي والشام ومصر للقضاء على المماليك والحلول محلهم، وإن لم يستطع التحالف مع البرتغاليين سيتحالف مع المماليك للقضاء على الدولة العثمانية والسيطرة على مناطق نفوذها، لكن هذا لم يحدث وذلك لموت بوكيرك عام 1515 ورجوع جيوشه إلى حيث أتت، كما أن السلطان سليم لم يدع فرصة للشاه إسماعيل للتحالف مع المماليك.
على الرغم من موت بوكيرك وعلى الرغم من رجوع جيوشه إلى حيث أتت، إلا أن الأسطول البرتغالي الذي لاقى دعما ً ملموسا ً من الكنيسة الأرثوذكسية في أوروبا،عقب إعلانه عن هدفه في الاستيلاء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم، عاد في تحركه نحو بلاد الخليج العربي وبالتحديد نحو مكة والمدينة لنشل قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
رأى سليم الأول أن هناك خطر مُحدق يُحيط بالدولة العثمانية من جميع جهاتها، لذا قرر إخضاع المماليك لسلطة الدولة العثمانية لرأب تحالفهم مع الشاه إسماعيل ومنع الشاه إسماعيل عن التمدد بمذهبه الصفوي الشيعي داخل ديار المسلمين، نجح السلطان سليم الأول في إخضاع المماليك لحكمه من خلال معركتي مرج دابق 1516 والريدانية 1517.
بإخضاع سليم الأول منطقتي الشام ومصر تحت حكمه، يكون قد قضى على أحلام الشاه إسماعيل بالتحالف مع المماليك من أجل الاستيلاء على مناطق الخليج العربي والشام، وبانطلاقه نحو منطقة الخليج العربي وبشكل خاص نحو مكة والمدينة لكبح البرتغاليين في تحقيق هدفهم، يكون قد دمر أحلام الشاه إسماعيل بالتحالف مع البرتغاليين من أجل الاستيلاء على منطقة الخليج العربي بشكل كامل، ويكون قد حمى الديار الإسلامية وقبر النبي صلى الله عليه وسلم من العبث والاستيلاء.
استطاع السلطان العثماني سليم الأول القضاء على مأرب البرتغاليين في الاستيلاء على قبر النبي صلى الله عليه وسلم بإرساله للمساعدات العسكرية للمماليك عام 1513، وبفرض سيطرته على منطقتي الشام ومصر وبالتالي منطقة الخليج العربي وكبح التمدد البرتغالي وتخصيص جيش حماية شديد العزم والإقدام لمكة والمدينة.
المصدر:
يني شفق
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!