بولنت إيرانداتش - صحيفة تقويم - ترجمة وتحرير ترك برس
لم تنته الحرب العالمية الأولى في منطقتنا كما تم الإعلان عن ذلك بتاريخ 11-11-1918، فالأحداث التي بدأت عام 2001، وربما تستمر حتى عام 2025، تسعى إلى إغلاق القوس الذي فُتح في الحرب العالمية الأولى، وقد فهم العالم أجمع أنّ اتفاقية سايكس بيكو التي تم توقيعها إبّان تلك الحرب، كانت سببا في إثارة النزاعات والفوضى والآلام والدموع والظلم، وأنّ هذه الاتفاقية لم تستطع ملأ الفراغ الذي تركته الدولة العثمانية، بل إنّ الحدود التي تم رسمها كانت بناء على المذاهب والعرق والدين.
وقد تحدث لورنس، العميل الإنجليزي الذي هو من أهم أسباب الفتنة الحاصلة في الشرق الأوسط حتى الآن، عن الحرب العالمية الأولى، حيث اعتبر أنّ "الحرب الأولى ليست حربا على قوة الأتراك العسكرية، وإنما حرب على عقولهم وقلوبهم"، ولهذا يصف البعض الحرب العالمية الأولى بالحرب التشاركية، وسبب وصفها بأنها "تشاركية"، هو أنّ القوى الاستعمارية تقاسمت فيما بينها خيرات الدولة العثمانية، في النفط والبحر الأبيض المتوسط وقناة السويس وطرق التجارة العالمية، وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، انطلقت أمريكا نحو العراق وأفغانستان لتبدأ بحملة تشاركية جديدة، هدفها رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط، ولذلك نرى اليوم أنّ إيران تدخل في سوريا والعراق وتتسرب في شرايين لبنان وسوريا واليمن.
علينا أنْ نسأل أنفسنا عن سبب تربع الانجليز وسط بلاد ما بين النهرين، وعن أنّ مصالحهم تتطابق تماما مع المصالح الأمريكية، وعلينا أنْ نسأل عن وضع روسيا في هذا المشهد، ولا شك أنّ أفضل شيء تريده الدول المصنعة للسلاح هو وجود حرب متعددة الأطراف ومنظمات إرهابية مختلفة، فروسيا تبيع الأسلحة لإيران ولنظام الأسد، كما أنّ حزب الله وداعش والنصرة يستخدمون الأسلحة الروسية، بينما تتواجد الأسلحة الأمريكية بيد حزب العمال الكردستاني، فهل من الممكن أنْ تسعى روسيا إلى إنهاء الحرب في سوريا وهي تبيع الأسلحة لإيران وللنظام السوري بمليارات الدولارات؟ فروسيا لا تقوم بما تقوم به في سوريا "لعيون" إيران وسوريا، وإنما للمحافظة على مصالحها.
بينما في المقابل، تحاول تركيا بعد 100 عام من سقوط الدولة العثمانية، على النهوض مجددا بحضارتها وثقافتها ووجودها وتأثيرها، وتسعى إلى النهوض مجددا بشعوب المنطقة المظلومة التي لم تر سوى الظلم والاضطهاد والدماء والدموع خلال قرن مضى، وقد كانت ثورة عام 2002 التي قادها حزب العدالة والتنمية، سببا في عودة الثقة للشعب التركي، وإيمانه ودعمه للأهداف الكبيرة التي وضعها الحزب، بدءا بأهداف 2023، ثم الأهداف الاستراتيجية عام 2053 وعام 2071، ويقود هذا الحراك الآن رجب طيب أردوغان وأحمد داود أوغلو، على طريق تأسيس تركيا جديدة مستقلة، ولا شك أنّ هذا الحراك سيكون مستهدفا من نفس القوى التي قامت بتمزيق الدولة العثمانية، وهذه الدول نفسها التي كانت سببا في إدخال تركيا في حرب أهلية استمرت لسنوات طويلة، وتسببت في استنزافها.
واليوم تسعى نفس القوى إلى دعم إيران من أجل أنْ توازن الظهور التركي في المنطقة وتعمل على الحد منه، ولهذا لم نسمع أحدا يتحدث عن الوجود العسكري الألماني والفرنسي، ولا عن الوجود العسكري الإنجليزي في البصرة، ولا عن القوى العسكرية الشيعية المدعومة من قبل إيران، بينما عندما أرسلت تركيا قوة مسلحة إلى الموصل، صاحوا بأعلى صوتهم واعترضوا وجيشوا الإعلام كله، فكيف يمكن تفسير هذه الوقاحة؟
ولا شك أنّ ما يقوم به جبل قنديل وحزب العمال الكردستاني من محاولة السيطرة على مناطق حساسة، هدفه ليس أيدولوجي، وإنما الهدف الحقيقي يكمن في السيطرة على خطوط الطاقة التركية، وأماكن تخزينها، والسيطرة على السدود الحيوية، وهذا الحراك المدعوم من الخارج جل أهدافه تتعلق بالطاقة.
ما أود قوله هنا، هو أنه يتوجب علينا الحذر من الذين يحاولون طمس معالم الحقيقة، وعلينا النظر بتمعّن أكثر ونتصرف بحكمة أكثر خلال هذه الأحداث التي ستنهي حقبة الحرب العالمية الأولى، ولنتصرف حسب الحسابات الجيوسياسية، ولنبحث عن أفقنا في شرايين الجغرافيا المحيطة بالأناضول، لأنّ تلك المناطق هي جزء لا يتجزأ من تركيا العظمى، ونحن هناك لسنا أجانب، فكل شعوب تلك الدول تنتظرنا وقلوبهم تدعو لنا لتخليصهم من الظلم وسرقة خيرات بلادهم.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس