ترك برس
قال الباحث والأکاديمي الإيراني المتخصص بالشؤون الإستراتيجية، حسن أحمديان، إن تركيا وجهت من خلال إدخالها قوة عسكرية للعراق، رسالة واضحة لروسيا وإيران وغيرها من الدول المنخرطة في عملية فيينا السياسية، مفادها أن "الأتراك لن يقفوا مكتوفي الأيدي إزاء عدم الأخذ بخياراتهم الاستراتيجية في فيينا وغيرها، كما أنهم يملكون بعضا من الأدوات تمكنهم من عدم القبول بالخسارة عسكريا في سوريا".
وأشار الباحث الإيراني في مقال له نُشر عبر الجزيرة نت، بعنوان "تركيا والعراق، كلفة الخيارات الاستراتيجية"، إلى أن التدخل التركي في العراق يأتي كرد فعل على تطورات سوريا وبقائها خارج الصورة التي تُرسم عسكريا وسياسيا لسوريا، مبينًا أهمية "أخذ واقع تراجع داعش في الاعتبار عند تحليل التدخل التركي في العراق، فقد تحررت سنجار على يد قوة قوامها البشمركة. وتحررت الهول على يد قوة أخرى قوامها حزب الاتحاد الديمقراطي (قوات سوريا الديمقراطية)".
وأضاف أحمديان: "يقطع هذان التطوران الطرق الواصلة بين الرقة والموصل ويعني فيما يعنيه إستراتيجيا الحد من قوة داعش في التحرك والمناورة بين العراق وسوريا. كما يعني صعود القوة الكردية لحدود لم يسبق لها الوصول إليه. وبعيدا عن التهم الموجهة لتركيا بدعمها لداعش عبر شراء النفط تارة أو فتح حدودها لتحركات عناصره تارة أخرى وغيرها من التهم، لا يجد المتابع لبسا في واقع ترجيح أنقرة لإضعاف الأكراد على إضعاف داعش".
ولفت أحمديان إلى أن "أنقرة المهووسة بالقوة الكردية الصاعدة تعلم جيدًا أن أكبر الرابحين جراء إضعاف داعش في الوقت الراهن هم الأكراد، فأكراد العراق باتوا قاب قوسين أو أدنى من الموصل وأكراد سوريا تقدموا أكثر من أي وقت مضى لوصل الكانتون المتبقي على القرب من المتوسط بباقي الأراضي الكردية من جهة وللرقة، عاصمة داعش، من جهة أخرى"، مشيرًا أن دخول تركيا إلى العراق ما هو إلا محاولة لتأطير التقسيم بأولويات أنقرة الإقليمية ضد القوة الكردية أولا وضد النظام السوري ثانيا، لذلك من المرجح أن تدخل تركيا في مواجهات إقليمية أوسع وأعمق من السابق".
وأوضح الباحث الإيراني، أن السياسات التركية أدت إلى إخلال في علاقاتها الدولية والإقليمية خلال السنوات الأخيرة ما أدى بالتالي إلى تزايد كلفة السياسة الخارجية على الصعيد الاقتصادي، مضيفًا: "وقد أدى خيار تركيا السوري إلى فقدها للعلاقة الاقتصادية مع سوريا ناهيك عن مضاعفات الأزمة السورية على استقرار تركيا الداخلي، كما أدت المجابهة مع روسيا إلى حدوث خلل في العلاقة الاقتصادية بين البلدين، ومن المرجح أن تؤدي الأزمة الراهنة إلى انحدار في التبادل التجاري بين البلدين ومقاطعة البضائع التركية في العراق. بشكل عام يمكن القول إن انتقال أنقرة من ترجيح القوة الناعمة على القوة الصلبة في السياسة الخارجية على مدى السنوات الأخيرة أدى إلى ازدياد كلفة السياسة الخارجية التركية، وما الأزمة الراهنة إلا استمرار تداعيات خيارات تركيا الإستراتيجية في المنطقة".
في سياق متصل، قال الكاتب "زيرفان البرواري"، في مقال له بعنوان "السياسة التركية تجاه أربيل.. استراتيجية أم تكتيك!!"، إن "السياسة التركية تجاه الأكراد في المضمون الإقليمي قد تغيرت وفق التغيير الحاصل على العقلية السياسية للنخبة الحاكمة في أنقرة، فالإصلاحات السياسية في البعدين الداخلي والخارجي انعكست إيجابا على النظرة التركية تجاه العامل الكردي".
وأشار البرواري إلى أن "هناك عوامل عديدة ساهمت في تغيير النظرة الأمنية القائمة على الحلول العسكرية إلى نظرة التعاون القائمة على أساس التبادل الاقتصادي، والتنسيق السياسي والأمني، ومن أبرز تلك العوامل: أن التنسيق التركي الكردي يحتاج إلى توفير الأرضية الإقليمية والدولية، وذلك لتجنب صراع مباشر مع بغداد وإيران، وتجنب الإقليم من أي خطر أو عمل عسكري قد تتقدم عليه الأطراف المعادية للسياسات التركية، ولا أتوقع أن تتقدم أنقرة على خطوات جوهرية من دون مشاورة وإرضاء كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي؛ اللتان تريان في التوسع التركي وسيلة لوقف الغطرسة الروسية والمراهقة الإيرانية في الشرق الأوسط؟".
وأرسلت تركيا، بتاريخ 4 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، قرابة ١٥٠ جندي، إلى ناحية "بعشيقة" القريبة من مدينة الموصل، عن طريق البر، لاستبدال وحداتها العسكرية في المنطقة، إلى جانب إرسال ما بين 20 و25 دبابة، خلال عملية التبديل.
وكان ممثلا رئيس الوزراء التركي إلى العراق، (مستشار الخارجية التركية فريدون سينيرلي أوغلو، ورئيس هيئة الاستخبارات هاكان فيدان)، التقيا رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في بغداد يوم الخميس الماضي، وأكّدا له حرص تركيا على سيادة العراق ووحدة أراضيه، ووقوفها بجانبه في حربه ضد تنظيم "داعش" الإرهابي.
وكان نائب رئيس الوزراء التركي والمتحدث باسم الحكومة "نعمان كورتولموش"، قال إن القوات التركية الموجودة في مدينة الموصل التابعة لمحافظة نينوى شمال العرق، تهدف لدعم الحكومة المركزية في بغداد والتضامن معها في حربها ضد تنظيم الدولة "داعش"، لافتًا إلى أن تركيا دولة تحترم وحدة الأراضي العراقية، وأن وجود قوات تركية في شمال العراق ليس عملا ضد الحكومة المركزية.
من جانبه أوضح وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو"، أن عملية تبديل الوحدة العسكرية في الموصل، جاءت بناء على طلب المسؤولين العراقيين، بهدف تعزيز أمن الجنود الأتراك الموجودين في المنطقة وقدراتهم، مشيرًا إلى أن ردود الأفعال الصادرة من حكومة بغداد جاءت "بتأثير بعض دول الجوار"
وكان رئيس الوزراء التركي "أحمد داود أوغلو"، أطلع نظيره العراقي "حيدر العبادي"، على معلومات متعلقة بالتطورات الراهنة بشأن برنامج تركيا التدريبي الذي يطبق منذ مارس/ آذار الماضي في ناحية بعشيقة قرب الموصل (شمال العراق)، ومهام وأنشطة القوات الموجودة هناك.
واعتبر رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" وجود بعض وحدات الجيش التركي في منطقة بعشيقة، بالاعتداء السافر على "السيادة العراقية"، وطالب العبادي، في تصريحاته الصحفية الخاصة بالموضوع، الجيش التركي بالانسحاب الفوري خلال مدة أقصاها 48 ساعة وإلا "سيضطر العراق إلى ضرب تركيا لاعتدائها على سيادته في الموصل".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!