د. أحمد البرعي - خاص ترك برس
"بذريعة الحريات وحقوق الإنسان يخرج علينا من يدعون أنفسهم بالمثقفين وأساتذة الجامعات ليصدروا مذكرة يوقع عليها 1128 أكاديمي وباحث. ليس هذا فقط، بل ويستدعون نشطاء أجانب من خارج تركيا للتوقيع على تلك المذكرة. هذا تمامًا ما يمكن أن نطلق عليه الذهنية الاستعمارية". لقد واجهت تركيا شتى أنواع الاستعمار الفكري لعشرات السنين وستستمر في مواجهته. أما أولئك الذين يملأون جيوبهم برواتب تُصرف لهم من خزينة هذه الدولة التي يعيشون في ربوعها، وترف اقتصادها الصاعد، ويحملون جواز سفرها وهويتها، ومع ذلك يطعنونها من الخلف. من هنا وفي حضوركم أرسل رسالة لكل أبناء تركيا وللعالم أجمع رسالة مفادها أنه ليس في تركيا مشكلة كردية، مشكلتنا هي الإرهاب، لن نخدع أنفسنا ولن نقبل بأن يخدعنا أحد. للأسف اقول إن أولئك الذين ينسبون أنفسهم للتنويريين والحداثيين يتهمون الدولة التركية افتراءً بارتكاب مجازر بحق المدنيين والعزل من أبنائنا الأكراد. أقول لهم أيها المدعون الكاذبون أنتم ظلاميون لا تنويريون ولا مستنيرون، أنتم جهلة لا تعرفون شيئًا عن هذه البلد وطبيعتها، أما نحن فنعرفها كما نعرف أبناءنا."
كان هذا جزءً من خطاب الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" عقب تفجير إسطنبول في 12 من يناير/ كانون الثاني في منطقة السلطان أحمد، وجهة معظم السائحين القادمين إلى إسطنبول، والذي أسفر عن مصرع 10 أشخاص جلهم من الجنسية الألمانية عقب تفجير شاب سوري يبلغ من العمر 28 عامًا نفسه في مجموعة من السياح، اتهمت الحكومة لاحقًا هذا الشاب بالانتساب إلى تنظيم الدولة الداعشي الإرهابي.
حمل الرئيس التركي بشدة على أولئك المدّعون الذين أصدروا تلك المذكرة، والتي لم يتعرضوا فيها من قريب أو بعيد بادانة أو شجب لحزب العمال الكردستاني الإرهابي وما يقوم به في الجنوب الشرقي التركي من تخريب وحرق وترويع للآمنين وتدمير لمقدرات الشعب التركي والكردي على حد سواء.
سبق هذه المذكرة المشبوهة والتي انسحب بعض من وقع عليها زاعمًا عدم قراءته لمحتواها وذلك عقب رفع دعاوى قضائية بحق كل من وقع عليها بتهمة دعم الإرهاب والتغطية على جرائمه، سبقها حملة مشبوهة عبر وسائل الإعلام اليساري بغرض تشويه ما تقوم به الحكومة والجيش التركي من مواجهة لعناصر حزب العمال الكردستاني الإرهابي وإثارة الشارع وتأليبه على الحكومة وتقدمها الملحوظ ضد أفراد ذلك التنظيم.
"بيازيت أوزتورك" أحد أشهر مذيعي برامج الترفيه ومقدم برنامج "بياز شو" الأكثر مشاهدة في الأوساط التركية الشابة، استضاف عبر الهاتف من "ديار بكر"، المدينة الجنوبية الكردية، معلمة اسمها "عائشة" والتي قامت بدورها بعمل بروباجاندا إعلامية صورت خلالها الأطفال والعوائل الكردية في الجنوب التركي وكأنهم يتعرضون لانتهاكات جسيمة وخروقات فجة لحقوقهم الإنسانية ليس من طرف أفراد التنظيم الإرهابي وإنما من قبل الحكومة التركية وذلك لأنها فرضت منع التجوال واغلقت بعض المدارس حفاظًا على أرواح أبناء وبنات المدن التي تشهد اشتباكات مسلحة مع عناصر الحزب الانفصالي. ما ظهر لاحقًا أن "عائشة" ليست معلمة مسجلة في سجلات وزارة التربية والتعليم، إنما هي عضو في حزب العمال الكردستاني الإرهابي. وهو ما دفع "أوزتورك" للاعتذار علنا وعبر شاشات التلفاز.
المستهجن أن يستنكر "كمال كلتشدار أغلو" زعيم حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي على "أوزتورك" تراجعه وتأسفه للشعب التركي واعتذاره عن خطأ ومكيدة نصبت له، على حد زعمه. حمل "كلتشدار أغلو" على المذيع الشاب وقال له: "حتى أنت يا "بياز" لا قلب لك، لا تمتلك أي قدر من الشجاعة والجرأة لتقول الحق، ما الذي قالته المرأة؟ لا تتركوا الأولاد يموتون. لماذا تعتذر يا أخي؟ لماذا؟".
أما صلاح الدين دميرطاش رئيس حزب الشعوب الديمقراطي الكردي فقال له مخاطبًا "سيأتي اليوم الذي تعتذر فيه عن اعتذارك هذا."
أما الأكثر استغرابًا فكان موقف "ساداف كاباش" الصحفية المقربة من جماعة "فتح الله غولن" والكاتبة في صحيفة "زمان" التابعة لذات الجماعة التي تتهم بتشكيلها كيانًا موازيًا داخل الدولة حاول الانقلاب عليها وتقويض سلطات رئيس الجمهورية التركي. غردت هذه الصحفية عقب التفجير الذي هز منطقة "السلطان أحمد" في إسطنبول، قائلة: "إذا لم تُضرب إسطنبول، لن تستيقظ تركيا" وعلى الفور تم استدعاؤها من قبل المدعي العام التركي للتحقيق معها وخاصة أنها ليست السابقة الأولى فكثيرا ما غردت ضد الحكومة التركية وإجراءاتها ضد الكيان الموازي الذي تمثله.
بحجة حرية الرأي والتعبير، يرى هؤلاء المرجفون وما أكثرهم في كل البلاد، أن ما تقوم به الحكومة التركية ضد من رفعوا بوجهها السلاح وسفكوا الدماء وقتلوا الأبرياء، إرهاب دولة وتجاوز لكل الخطوط الحمراء ومواثيق حقوق الإنسان. هذا في الوقت الذي تعمى عيونهم عن جرائم الحزب الانفصالي الذي أبى إلا أن يتخذ من لغة الرصاص سبيلًا للحوار واستعلى واستكبر وأبى أن تكون قبة البرلمان هي المظلة التي يطالب الجميع تحتها بالحقوق والحريات التي ينشدها. ما أقبحه من منطق وما أقبح من يدافع عنه، خاصة أن هذه الجوقة نفسها هي من أخذت على الحكومة صبرها وتغاضيها عن نشاط حزب العمال الكردستاني إبان عملية السلام الداخلي التي حفظت دماء الأبرياء ثلاث سنوات. كانوا يرون أن الحكومة أعطت بتلك العملية غطاء وفرصة للإرهابيين الانفصاليين لتخزين وتكديس السلاح وما إن بدأت الحكومة بالمواجهة بعد استنفاذ كل وسائل الحوار والمفاوضات، حتى انبرت ألسنتهم تجرح وتقدح في نوايا وأفعال الحكومة.
أين كانت تلك الأصوات والأكفان تأتي من الجنوب والأطفال تُيتم والعوائل تهجر وممتلكات ومقدرات البلد تدمر أمام أعينهم. لماذا لم نسمع لهم صوتا ولم نقرأ لهم مذكرة تشجب وتستنكر تلك الأعمال الإرهابية. ولذلك تحداهم أردوغان جميعًا علنًا وفي ذات الخطاب قائلًا: "لا داعي للبيروقراطية والإجراءات الروتينية والتواقيع وغيره أنا أدعوهم جميعًا أولئك الذي يدعون أنفسهم بالتنويريين، من تركيا أو من خارجها، من الشرق والجنوب والغرب، فليأتوا جميعًا ضيوفًا علينا، نحن مستعدون أن ندللهم ونستضيفهم ونشرح لهم ويرون بأم أعينهم ما يحدث. مثلًا فليدعو سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدينا البروفيسور الأمريكي "ناعوم تشومسكي" فليدعوه وليستضيفه وليرى بأم عينيه ما يحدث في تركيا، وليتفضل وكل أولئك الذي يريدون أن يعرفوا ويطلعوا على مجريات الأمور، فليأتوا وسنأخذهم بأنفسنا إلى المكان الذين يريدونه ليروا وليكتشفوا بأنفسهم. ليس هناك خيار.
في الدول التي تحترم نفسها وتحترم دستورها وخيارات شعوبها فإنه في مواجهة الإرهاب الحقيقي ليس ثمة خيارات إما أن تكون في صف الدولة والجمهورية التركية أو في صف الإرهاب الأسود ولا مكان للمناطق الرمادية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس