رداد السلامي - خاص ترك برس
لن يغادر التحالف الاسلامي مربع المناورات والاستعرضات ولن يتقدم السعوديون والأتراك خطوة واحدة في سوريا فيما على إيران وروسيا أن يسابقا الزمن لفرض ذواتهم هناك بقوة.
ستجد تركيا ذاتها يوما محصورة في نطاق ضيق تدافع عن أمن قومي مهتز وينخره حلفاؤها الأمريكيون ذاتهم من خلال دعم الحركات الانفصالية والإرهابية هناك والدفاع عنها في أكبر مؤامرة تستهدف قوة تركيا المتنامية وتحجيم دورها الذي تخطط له وفق استراتيجيات جرى احتواؤها كما يبدو بمكر وتواطؤ أمريكي.
وسيجد السعوديون ذاتهم غير قادرين على لعب دورا مركزيا مؤثرا في العراق بقدر ما سيكونوا متأثرين سلبا بالتوغل الإيراني في كل من سوريا والعراق وهيمنتهم على الواقع الاجتماعي والسياسي والجغرافي لهذين البلدين الذين محيت كما يبدو منهما تماما عروبتهما وإسلاميتهما السنية.
دخل سوريا في الأيام الأخيرة 64,000 من الباسيج الإيراني، و11,000 من المشاة الروس هكذا قال العميد السوري المعارض أسعد الزعبي.
هذه الأعداد المدربة المتقنة لفنون الحرب بمختلف أشكالها لم يتم تجهيزها اعتباطا، بل تعمل وفق مخطط استراتيجي يثق بذاته كثيرا فقد شكلت حادثة إسقاط تركيا لطائرة روسية أكبر مبرر لحشد آفتك أسلحتها وأكثرها دقة إلى سوريا لتكون بالقرب من تركيا والسعودية لم تعد تركيا قادرة على فعل شيء سوى دفق من تصريحات مريحة لبوتين الذي يسيطر وروحاني الذي بات أكثر ثقة أن الانتقام التاريخي للدولة الصفوية من العثمانيين قد تم رده وبجداره فتركيا اليوم شبه محاصرة ومحاطة بارهاب متعدد من كل الجهات وتفتقر إلى أفق استراتيجي وأضحت عديمة القدرة على المبادرة وتغيير مسار الحدث والتحكم بحركته وتشكله وفقا لطموحاتها الاستراتيجية.
لقد أضحت قيادة تركيا مع الاسف من أصحاب "النفسية الثانية" كما في توصيف أحمد داود أوغلو في كتابه "العمق الاستراتيجي" هذه النفسية المتوقفة عند حالة الانكسار الخفي ونسيان الوقت التي اكتفت بتقديم فرصة تاريخية لمنافسيها وخنقت نفسها دون أن تبادر منذ أزمنة إلى فعل شيء يمكنها من صب ديناميكيتها في قناة صنع القوة.
حين بادرت السعودية في اللحظات الاخيرة في اليمن غيرت مجرى الأحداث بسرعة فائقة وحين تأخرت تركيا وترددت مهدت لتدخلات أشد وطأة من ذي قبل، لكن غياب السعودية عن ساحة العراق وسوريا سيرتد أيضا بآثاره السلبية على كليهما "السعودية وتركيا" مستقبلا، فقد أجادت إيران وروسيا قطع تركيا عن قوسها الإسلامي السني الذي كان سيمنحها انطلاقة أقوى في المستقبل، وبهذا فإن فرص التحكم بمستقبل المنطقة على نحوٌ إسلامي وفق أجندة استراتيجية موحدة وخاصة ضعيفة، فقد تخلت أمريكا عن حلفائها لصالح أعدائهم بداية من تسليم العراق لإيران ومحاولة تسليم اليمن لها، وانتهاء بتسليم سوريا لإيران وروسيا معا.
وكما قلنا من قبل فالمسألة الأهم بالنسبة لأمريكا هي أن تبقى المنطقة تحت الهيمنة المتبادلة لا أن تتحرر من التبعية وتمتلك قوتها الذاتية.
والخلاصة أنه إذا سقطت حلب ستحدث تغييرات جيوسياسية خطيرة تخنق تركيا وتحاصرها وتبقي السعودية تحت التهديد المستمر، وتمكن إيران أكثر في المنطقة. المنطقة يعاد رسم جغرافيتها من جديد، ونحن في لحظة تاريخية مفصلية حرجة، وكل الخيارات صعبة. ولكن أسوأها أن نتردد وننتظر!.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس