محمد حسن القدّو - خاص ترك برس
لم تكن العلاقات التركية الإيرانية تسير طوال السنين الماضية على وتيرة واحدة وخصوصا بعد نشوء الأزمات الإيرانية الإقليمية والدولية بدءًا بأزمة المفاعلات النووية الإيرانية ومرورًا بالتدخل الإيراني العسكري المؤيد للنظام السوري وانتهاءً بالأزمة المفتعلة ضد السعودية وتدخلها السافر في شؤون الدول العربية والإقليمية.
في كل هذه الأزمات كانت تركيا تعارض إيران علانية وتستهجن السياسة الإيرانية حول افتعالها اللامبرر حرصا من الحكومة التركية على استقرار المنطقة بشكل عام وعدم جر المنطقة إلى ويلات هي في غنىً عنها.
لكن رغم معارضتها الشديدة لتطوير إيران لمفاعلاتها النووية خوفا من إنتاج الأسلحة النووية، عارضت تركيا وبشدة فرض الغرب عقوبات اقتصادية على إيران بعد الأزمة النووية، وأيضًا عارضت التدخل الإيراني في سوريا والوقوف إلى جانب بشار الأسد، كما عارضت تدخلها في شؤون السعودية وشجبت مهاجمة السفارة السعودية في طهران، لكن مع كل هذا أبدت استعدادا لرأب الصدع في العلاقات السعودية والإيرانية وأيضا العربية بحكم أن كل هذه الدول هي دول مجاورة لبعضها ويجب أن تكون علاقاتها حميمة وليست متوترة وأن العلاقات الجيدة هي العلاقات الطبيعية المفروضة على دول الجوار.
والأزمة السورية وبعد تبني مجلس الأمن قرارا مشتركا من قبل الولايات المتحدة وروسيا بوقف إطلاق النار والدعوة إلى مفاوضات جديدة بين الحكومة والمعارضة السورية أصبح واضحًا أمام القيادة الإيرانية أن أوراق اللعبة السورية كلها أصبحت بيد القوى العظمى، بل أن الأمور توحي بأن قرار وقف إطلاق النار سيكون دائمًا في سوريا - لذا فإن تسوية كافة نزاعاتها مع تركيا اصبحت ضرورة حتمية ومن ضمن هذه اختلافهم في وجهات النظر حول الموقف من بقاء نظام بشار الأسد أو عدمه.
هذه هي إحدى أبرز خلافات تركيا مع إيران، لكن هذا لا يعني أن هناك أمورا أخرى حتمت على القيادة الإيرانية أن توجه دعوة إلى المسؤول التركي لزيارة طهران وأهمها هي حرص إيران وتركيا وكل الدول العربية على وحدة الأراضي السورية بعدما تعالت أصوات السياسين الروس بإنشاء فدرالية مناطقية في سوريا.
وإيران وبعد إجراء الانتخابات الإيرانية وفوز الإصلاحيين فيها إن صح التعبير فيها والموقف الغربي غير المتأمل من نتائج هذه الانتخابات بتغيير السياسة الإيرانية الإصلاحية بسبب تمركز القرار السياسي والاقتصادي بيد المتشددين رغم فوز رجال الإصلاح والتغيير. وهذا بطبيعة الحال سيعكس صورة قاتمة على علاقات إيران الاقتصادية بالدرجة الأساسية مع دول العالم وأمام حركة رؤوس الأموال من وإلى إيران. وبمعنى أن ماكان يتأمله الإيرانيون من سرعة في عملية دخول السوق العالمية لنهضتها الإنمائية والاقتصادية هي غيرواقعية فهي لا زالت بحاجة إلى جملة من الأمور والحقائق، بل الأكثر من ذلك أن الفتور الغربي في بدء التعاملات الاقتصادية هي من الأمور المقلقة للنظام الإيراني بسبب خشيتها من التدخل الغربي لتغيير الواقع الإيراني.
وهذه أيضا مسألة مهمة وربما أرادت إيران أن تستغلها من الزيارة بل نستطيع أن نجزم أنها من أولويات الزيارة وخصوصا بعد تصريحات الطرفين برفع سقف المشاركات الاقتصادية إلى الضعف في الفترة القريبة القادمة بسبب ما تتمتع به تركيا من حضور عالٍ في كافة التعاملات العالمية الاقتصادية والمالية الدولية والتجمعات الاقتصادية الإقليمية، وبذا تكون تركيا أولى البوابات التي تنفذ منها إيران إلى العالم الاقتصادي الدولي.
وهذا باختصار ما نتجت عنه هذه الزيارة المتأخرة والتي كان من المفروض أن تقوم بها إيران مباشرة بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها وتنسق معًا مع تركيا والدول العربية لوقف نزيف الدم السوري منذ بدايتها وليس العكس.
بقى علينا أن نرد على كل الذين يدعون أن الزيارة كانت لإنقاذ الوضع الحرج للسياسة التركية وكما يحلو لهم في ادعائهم بسبب الأوضاع الداخلية التركية وموقفها من الأزمة السورية وكذلك لإنقاذ الاقتصاد التركي من التدهور على حد زعمهم متناسين أن النمو المتوقع للاقتصاد التركي يتجاوز ما وصل إليه العام الماضي ليصل إلى 5% هذا العام، وفي الختام نقول للكاتب الأستاذ عبد الباري عطوان الذي فسر الأمور على اهوائه كالعادة "ما هكذا تورد الإبل...".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس