عبد القادر زينو - خاص ترك برس

كتاب إعادة استكشاف العثمانيين لكاتبه إلبر أورتايله كتاب تاريخيّ رائع كُتِبَ بأسلوب جذاب إذ لا تشعر بالملل أثناء قرآته يتجول بك في أراضي الخلافة العثمانية من الشرق إلى الغرب ويعرفنَّا إلى عادات هذه الامبراطورية وبروتوكولاتها ويتحدث عن إسطنبول عاصمة العالم وعن نظام العائلة العثمانية وما يرمز إليه الباب العالي من القوة والسيطرة ويسهب في الشرح عن القصور والعلماء والباشاوات والنظام الإدراي والسلاطين وما يجيدونه من فنون وعلوم وأنظمة التجنيد والتعليم والتربية والترقية والقضاء والقضاة وطلبات التظلم وحتى الأطعمة وأساليب الطبخ في أراضي هذه الامبراطورية المجيدة  يتكون الكتاب من واحدٍ وعشرين موضوعًا موزعةً على مئتين وخمس عشرة صفحةً أول هذه المواضيع حديثه عن مدينة إسطنبول:

إسطنبول نسائم الماضي

إذ دعا الكاتب إلى عدم الحساسيَّة من استخدام الاسم القديم القسطنطينية ولكنّه يبيّن سبب محو اسم القسطنطينية عن مدينة إسطنبول إذ يقول: "وذلك لأنَّ اليونانيين كإحدى القوى المحتلة، حاولوا وضع اسم الملك قسطنطين، حاكم اليونان آنذاك، بدلًا من اسم "قسطنطين العظيم" (1)، ثم يعرض لبعض من أسماء هذه المدينة العريقة: دار السيادة، ودار السعادة، والباب العالي، ومقر الخلافة، بوابة النعيم (2)، ويؤرَّخُ الكاتب كيفية ظهور إسطنبول ونشأتها وتنامي عظمتها عبر التاريخ ثم يتحدث عن طقوس الخليفة العثماني في أيام الجمع وتطوافه في المدينة وعلى الجيش.

المعمار سنان

مهندس المساجد المبنية على الطراز العثماني الذي لا يشق له غبار ويمكن مشاهدة آثاره من مساجد البوسنة إلى حلب مرورًا بإسطنبول شاهدةٌ على عبقرية هذا الفنان.

تجنيد الفتيان

بيَّن الكاتب في هذا الفصل بنية النظام العام للتجنيد والترقية في الإمبراطورية العثمانية إذ يتشعب إلى قسمين داخلي وخارجي ويُصطفى لكل قسم أصحاب صفاتٍ وكفاءات معينة.

العائلة العثمانية

حاول تصحيح بعض المفاهيم المغلوطة عن الدولة العثمانية ومن ذلك "فكرة المرأة الحبيسة"، ففي المجتمع العثماني، كانت النساء تخرجن من المنزل وتظهرن في الأماكن العامة، رغم وجود استثناءات وحساسيّات محليّة معيّنة إلا أن النساء كُنّ في العادة تخرجن إلى الأسواق، وخاصة في إسطنبول والبلدات الصغيرة في السلطنة… وبيّن شويغر أيضًا أن المرأة كانت تتمتع بحرية الحركة (3). وأكَّد الكاتب على وجود نظامٍ اجتماعي للجوار إذ طرد السكان المحليون مرةً سفيرَ إنكلترا لأنه كان يقيم حفلات الخمور والمجون.

الباب العالي

"في الأزمنة العثمانية كان الباب العالي هو المكان الذي يتدرَّب فيه الطلاب الراغبون بالعمل لصالح الدولة، لهذا السبب كانت عبارات مثل أفندي الباب العالي وكاتب الباب العالي تدل على موظفين مدنيين شبان متلهفين لشغل مواقع قيادية في إدارة الدولة." وكثيرًا ما كان يستخدم هذا المصطلح في المراسلات بين الدول للدلالة على هيبة وعظمة الامبراطورية.

الباروك الأوروبي

وأشار الكاتب إلى تأثر الفن العثماني بالطراز الباروكي الأوروبي. ثم أفرد فصلًا آخر للحديث عن السلطان محمد الفاتح.

السلطان محمد الفاتح

إن "هذا الشاب اليافع قام في عمر إحدى وعشرين عامًا في العام 1453 م بحصار مدينة كبرى، عاصمةٌ كانت تعد في ذلك الزمن حاضرةَ العالم، لقد حقق انتصارًا أكسبه مجددًا في عالم لم يكن فيه أماكن أخرى تستحق أن تُدعى مدنًا".(4)

قدَّر المؤلف عدد الجيش العثماني الفاتح لمدينة إسطنبول بين 100 ألف إلى 150 ألفاً، فـ"ممّا لا شكَّ فيه أنَّ عدد المدافعين عن المدينة كانوا أقل بكثير من حجم الجيش العثماني. لكن القوات البيزنطية اعتمدت على قواها الذاتية وشجاعتها وعزمها على المقاومة، بالإضافة إلى متانة الأسوار، ويبدو أن الأساطير والمعتقدات التي كانت سائدة خلال تاريخ الامبراطورية البيزنطية أو بالأحرى الإمبراطورية الرومانية المسيحية، لم تَمُت بسهولة، فحتى اللحظات الأخيرة كان الناس يتوقَّعون أنَّ مريم العذراء ستنقذهم، وفي الليلة الأخيرة، أعلن الإمبراطور البيزنطي، في قُدَّاس أٌقيمَ في آيا صوفيا، أمام المحتشدين أنَّ السيدة العذراء ستظهر وحتى دخول الأتراك إلى المدينة، كان الناس يتوقعون أنَّ الملائكة ستأتي عبر الأسوار وتطرد الأتراك خارجًا، غيرَ أنَّ مركز المسيحية هذا الذي كان العالَمُ يُجلُّه لمدةٍ تزيد عن ألف عام، كان قد وقعَ في يدي قوى جديدة." (5) بعد حصار طويل وقصفٍ بالمدافع كان لا بدَّ من إعادة بناء المدينة فماذا فعل لتحقيق ذلك؟

"أمرَ بجلبِ عدد كبيرٍ من الأتراك المسلمين والمسيحيين إلى إسطنبول من ولاية كارامان القديمة في الأناضول الأوسط، التي كانت تُعد نوعًا من الخزَّان البشري، ولمَّا وجدَ أنَّ هذا لم يكن كافيًا، قام بنقل السكان الأرمن من مناطق واقعة تحت سيطرة السلطنة إلى إسطنبول...". (6)

من أقواله: " كما أنَّ هناك شمسًا واحدةً في السماء لا بُدَّ أن تكونَ هناكَ دولةٌ واحدةٌ ودينٌ واحدٌ على هذه الأرض". (7)

المطبخ العثماني

تطرق الكاتب إلى مصادر الأطعمة والأشربة من حبوب وقمح ولحوم التي كانت تُجبى إلى إسطنبول من مختلف المدن العثمانية.

كُتب الرحالة والسلطنة العثمانية

يقول الكاهن الألماني المتعصب "سالمون شويغر" في كتابه الرَحلَي عن العثمانيين: "أولئك الناس يرتدون قطعة قماش حتى في الحمَّام، إنهم أناسٌ مهذبون، ينبغي أن نتعلم السلوك الحسن والأخلاق من هؤلاء البرابرة"!!. (8) ومن الرحالة العثمانيين الرحالة أوليا جلبي الذي شرح شطرا من حياته في هذا الكتاب.

القصور العثمانية

أشار الكاتب إلى فكرة مغلوطة عن القصور العثمانية، فهذه القصور لم تكن بكل هذا البذخ والإسراف وإنما كانت تؤدي الحدَّ الأدنى من البرتوكولات المتعارف عليها بين الإمبراطوريَّات.

أحياء العلماء في إسطنبول

"يُمكننا أن ندعَو حيَّي السليمانيّة ووفا – الذَّيْنِ يُعتقَدُ أنهما يشكلان مركز المدينة – إضافةً إلى أحياء فَزنَجيلر، وزينب، وفاتح وفاتح تشارتشمباسي، أحياء العلماء في إسطنبول، أي الأحياء التي كان يقطنها علماءُ المسلمين في إسطنبول، والسبب هو أنَّ السلطان محمد الفاتح أسس في جوار مسجد الفاتح ما كان يُفترضُ أن يكونَ المؤسسة التعليمية العليا Sahn-ı Seman وتعني القاعات الثماني.

السلاطين العثمانيين

أسهب الكاتب في ذكر سمات سلاطين بني عثمان من إجادة للغات ومنها العربية والفارسية أو الهيلينية وللفنون كالخط والرسم والموسيقى وتأليف بعض المقطوعات. ومن المآخذ التي تُؤخذ على بعض سلاطين بني عثمان تغليظ العقوبةَ على المُقصِّرين من القضاة في الأعمال التي قد تصل إلى القتل لمجردِ الكذب أو إهمال واجبِ إزالةِ الثلوجِ عن الطريق. والجدير بالذكر طقسٌ من طقوس احتجاج الناس على الخليفة:

"في كلِّ يوم جمعة كان السلطان يؤدي صلاة الجمعة في أحد مساجد إسطنبول، تقليدٌ يُعرفُ باسم selamlık  والتصفيق المذكور في الوثائق التي تصفُ هذا التقليد لا يعني في الحقيقة تصفيقَ اليدين، لكنه يُشير إلى ما كان يقوم به أولئك الذين يشاهدون مرور السلطان في المكان، حيث كانوا يقولون: "أيّها السلطان لا تَكن متكبرًِّا فإنَّ الله أكبر"!!. (9)

أخيرًا لا تتردوا في اقتناء هذا الكتاب وقراءته فهو يشتمل على كنزٍ من المعلومات القيمة عن الخلافة العثمانية.


(1) ص 7

(2) ص11

(3) ص 41

(4) ص 71

(5) ص 76

(6) ص 78

(7) ص 89

(8) ص 104

(9) ص 134

عن الكاتب

عبد القادر زينو

طالب ماجستير لغة عربية جامعة آيدن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس