عبد القادر زينو - خاص ترك برس
عندما كنا صغارًا كنا نرى صورًا لمسجد السلطان أحمد و مسجد آية صوفيا أو صورًا لجسر البوسفور هكذا كانت تشدّنا إليها إسطنبول.
تشبهُ تركيةُ وإسطنبول خاصةً القصص التي كانت تقصها علينا جداتنا، وعندما أتيت إلى تركيةَ وإلى اسطنبول تحديدًا شعرتُ أنني التقيت بنفسي عندما كنت صغيرًا، فإسطنبول جدَّةٌ لكنها جدةٌ شابّة، دائمة التجدد، والشكر كل الشكر لمن أعاد لها النضارة والبهاء، فكما حدثتني جدتي عن تركية، ذكرتني إسطنبول بجدتي، وكذلك يملك الأتراك ذاكرةً يقظةً تدوِّن أحداث التاريخ المفرحة والمحزنة من المآسي والفجائع التي أصابت المسلمين على امتداد الأرض التي حكمتها بالعدل الخلافة العثمانية والتاريخ وأكثرُ ما تجدُ هذا في وسائل التواصل الاجتماعي لديهم فعندهم حركة وحراك دائب لا يتوقف وهذا ما أهلهم ويؤهلهم للقيادة، فالأتراك ما زالوا يشعرون بهذا الحس القيادي المسؤول عن المسلمين والمهتم بشؤونهم ومساعدتهم ونجدتهم، ما زالوا ينظرون لأنفسهم بأنَّهم حاملو لواء آخر خلافة للإسلام وجامعةً للمسلمين حتى الآن، وهم يشعرون بأنَّهم المعقل الأخير للمسلمين، هذا الحس القيادي والمسؤول واليقظ دفعهم إلى ميادين الحياة بعزيمة متينة وقوّة لا تُفَلُّ يدافعون الباطل بالحقّ، والافتراء بالصدق، والعنف بالرفق، والخبث والدهاء بسعة الأفق، فتجد أينما يممت في تركيةَ الجمعياتِ والأوقاف والمراكز الاجتماعية والثقافية التي تعمل بدأب دون فتور، فهذه المراكز كثيرة بشدة وتدل على انطلاق وحركة هذه الشعب.
ومن الأشياء الرائعة التي وجدتها في تركيةَ ولا نراها في الدول العربية اهتمام نُخبها وطلابها باللغة العربية وتعلمّها وأهمَّ ما يميز هذه الريادة في ميادين تعليم اللغة العربية أنهم يتكلمون بالفصحى ويتعلمون بالفصحى ويقرؤون ويكتبون بالفصحى في كل كليات الشريعة والجمعيات الأهلية المجانية لتعليم العربية التي افتتحت خلال حكم العدالة والتنمية، لكن ما لفت نظري أن في قسم اللغة العربية في جامعة اسطنبول أصبحوا يعطون دروسًا في اللهجة العربية العامية، وهذا نذير شؤم وانحدار وباب سوءٍ نرجو أن يغلق، لكي نحافظ على الريادة.
ومن الأشياء التي لا تشعرُ فيها في البلاد العربية بقوة، أنّ لدى الأتراك حسُّ وطنيِّ يعشق الأرض ويظهر أفضلَ ما يظهرُ في مشاعر أغلبهم الفياضة تجاه وطنهم والحاقدة على أعدائه وأعداء المسلمين من بريطانية إلى فرنسة إلى أمركة، فهم يكرهون الفرنسيين والانجليز أكثر بكثير مما يكره عربيّ عاميّ احتلّت أرضُه في يوم من الأيام فرنسة وبريطانية.
هكذا نبهتني تركية ونمت فيّ مشاعر الوطنية ونبذ الاحتلال والاستخراب إن كان من فرنسة أو من بريطانية أو من أمركة.
ومن السمات التي تميّز هذا الشعب أن شعب يتفانى في العمل ويحبّه والنشاط المفرط وقت العمل وتقديس وقت الراحة وهكذا سنّة الحياة لا ريادة دون عمل.
ومن أفضل الأشياء التي يمكن أن تراها في تركية شعور كل فردٍ من الشعب أنَّ أيّ فرد من الحكومة هو أخٌ حقيقي له، بلا عُقد ولا تكلّف.
ومن صفات الأتراك أنهم حادّو الطِباع، جادّون في المعاملة، وهذه أيضًا من صفات القيادة، ولكن لديهم القليل من البرود بخلاف حميمية العرب.
ومن صفات هذا الشعب أنّ صفة الفضول لديهم تكادُ تعدَمُ، فلا يهم المرء فيهم ماذا اشترى جارُه، ولا ماذا لبست صديقتها.
ومن الصفات السيئة في تركية أن بعض الأتراك يقودون سياراتهم لا أقول بسرعة وحسب بل بعنف، وهذا ما يسبب الكثير من الحوادث المأساوية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس