د. عمر بولاط – مجلة الاقتصاد العميق (نشرت المقالة الأصلية في 15 آب/ أغسطس 2015) - ترجمة وتحرير ترك برس
ودعنا قبل أيام شهر رمضان، وعيد الفطر المبارك، هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن، ويصوم فيه الناس طمعًا في مرضاة الله، ويؤدون الزكاة والفطر فيه، ويشعرون ببعضهم البعض بصورة أكبر، وهو شهر محاسبة النفس، إلا أننا في هذا العام أيضا، مرّ بنا رمضان، والأمة تعيش مآسي كثيرة، فهل استطاع العالم الإسلامي محاسبة المتسببين بمآسيه؟ وهل نجحت الأمة في تعزيز مفاهيم الأخوة والوحدة والتعاون والتضحية؟ أسال الله أنْ نكون ممن نجح في هذا الاختبار.
يتكون العالم الإسلامي من 57 دولة، منها 22 دولة تحتل أدنى مرتبة من بين الدول النامية، منها ما يعيش أزمة جوع، ومعظم هذه الدول تقع في قارة أفريقيا، وفي جنوب آسيا، ومنها ما يتعرض لحملات استعمارية كتلك التي حدثت قبل 100 عام في أثناء تقسيم الإمبراطورية العثمانية، وهي دول العالم الإسلامي التي تقع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تعمل القوى العالمية على فرض سيطرتها على هذه الدول بالتعاون مع أدوات محلية.
وعندما انطلق الربيع العربي لشعوب المنطقة، والتي طالبت بالحرية والرفاهية وتوفير فرص للعمل، وإنهاء الفساد في مؤسسات الدول، قضت الدول المهيمنة على أحلام الشعوب، تارة باستخدام الانقلابات، وتارة بإشعال حروب أهلية، كما حصل في اليمن والعراق وسوريا وليبيا ومصر، فهذه الدول تعيش حالة من التمزق الاجتماعي، فيما يعيش شعب الأويغور في شرق تركستان تحت ضغوط لا يتحملها أحد.
وتستمر العمليات الغربية التي تهدف إلى ضرب المسلمين ببعضهم البعض، وتهدف إلى تغذية العداء ضد الإسلام، فمن جهة يعملون على زيادة حدة الاستقطاب بين السنة والشيعة، ومن جهة أخرى يعملون على إيجاد منظمات إسلامية متطرفة، يشكلونها من خلال أجهزتهم الاستخباراتية، وهدف مثل هذه المنظمات زيادة الخوف والرعب من الإسلام. ولو نظرنا إلى أفغانستان لوجدنا طالبان والقاعدة، أما في نيجيريا فهناك بوكو حرام، وفي الصومال توجد حركة الشباب، وداعش تنتشر في العراق وسوريا، اما في تركيا فيوجد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي. وهم لا يكتفون بذلك، بل يثيرون أيضا الصراع العلماني الديني، ويعملون على تفرقة شعوب الدول على أسس عرقية ودينية، وهذا يعني أننا أمام مشهد مشتعل بكل حيثياته.
لكن في مقابل ذلك، لا بدّ أنْ نقول بأنّ أحلك لحظات الظلام هي أقربها إلى الفجر، ولهذا يقول الله عز وجل: "وعسى أنْ تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون"، ولهذا علينا أنْ نكون متفائلين دائما، فاذا كان هناك حريق في مكان ما، علينا أنْ نهرع لإطفائه، وعلينا التوحد والاتحاد فيما بيننا، بدلا من التفرق أكثر، ويجب أن لا يكون العرق أو القومية أو المذهب سببا في تفريقنا، فكوننا مسلمون هو أكبر شرف لنا، وأكبر عنصر يوحدنا. أما من يقوم بخدمة المصالح الغربية في مواجهة الشعوب المسلمة، فسيلعنه الناس والتاريخ، وسيكون عذاب الله بانتظاره يوم القيامة.
معظم المسلمين يريدون حياة خالية من الظلم، ومن الاضطهاد، ويطلبون حياة كريمة فيها فرص للعمل، وفيها عدالة، ولا شك بأنّ العالم الإسلامي الذي قاده محمد صلى الله عليه وسلم، قادر على تخريج قادة للحضارة الإنسانية، مثلما قدّم لنا في السابق طارق بن زياد، وصلاح الدين الأيوبي، والسلطان محمد الفاتح، وياووز سليم، والسلطان سليمان القانوني وغيرهم.
ما نحتاجه هو الوحدة، والتوحد، والتآخي، والإخوة، والتشارك، والعدلة والمساواة، علينا أنْ نكتشف هذه العناصر من جديد، ونعيدها إلى الحياة، علينا التوحد تحت شعور أمة واحدة قائدها محمد صلى الله عليه وسلم، ووصولنا إلى هذه الأمور يمر عبر الاكتشافات، وعبر التعليم، والتطور التكنولوجي، والاقتصاد المنافس، من أجل نهضة الأمة من جديد، ومن أجل ذلك، على الدول الإسلامية أنْ تقلل من العناصر المفرقة لها، مثل تأشيرة الدخول، وعليها ربط مواردها المالية ببعضها البعض، وتوفير شبكة مواصلات فيما بينها، وتوحيد التجارة، وإلغاء الجمارك وعليها التخلص من مثل هذه المعيقات.
وأيضا على منظمة التعاون الإسلامي، وما ينطوي تحتها من منظمات أخرى، أنْ تصبح أكثر فعالية، وأكثر تأثيرا من أجل حل مشاكل العالم الإسلامي، وهذا شرط أساسي من شروط نهضة الأمة من جديد، وعلى مثل هذه المنظمات أنْ تصبح فاعلة على الأرض، وأنْ تبدأ حراكها الفعلي، لأنّ تطوير الاقتصاد والأعمال يمر عبر ذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس