عاكف إمره - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس
كانت شعوب المنطقة محقة في طلباتها التي انطلقت بها في الربيع العربي، لأنهم يعيشون العديد من المشاكل في نظام الحكم، وأزمات اقتصادية، وبطالة، وهناك تضييق على الحريات، لكن شكل إدارة هذا الحراك لم يكن واضحا، فقد كان هناك هدف ملموس يريد المحتجون الوصول إليه، لكنهم لم يكن يملكون الطريقة والخارطة والتصور لكيفية تحقيق هذا الهدف، ولم يكن هناك رؤية مستقبلية واضحة، ولذلك أصبحنا نطلق على الربيع العربي "ثورة غير سياسية".
ومنذ انطلاق أحداث الربيع العربي، أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أنها لا تستطيع التعامل مع اربع-خمس أزمات في وقت واحد، وهذا بدا واضحا في الموضوع السوري، حينما برزت قوة المعارضة السورية في وجه النظام السوري، كان المتوقع ان تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، لكن برغم تصريحات المسؤولين الأمريكان بأنهم يقفون ضد الأسد، وبرغم انتقاداتهم الواسعة له، إلا أنهم لم يتحركوا على الميدان، وهذا يعني انهم فعليا وفي حقيقة الأمر لا يريدون التدخل ضد الأسد، وبرز أنّ النظام الأمريكي نقل أولويته من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا.
ما نزال نتعرض لظلم وبطش أمريكا، فما عشناه في الماضي لم يتغير اليوم، ومن يقول بأنّ أمريكا عاجزة، أو أنها غير مكترثة لما يحصل، يجد نفسه مخطئا عند النظر إلى ما يجري في ليبيا، التي أسقطوا فيها القذافي من خلال تدخل عسكري خارجي، وبذلك يعملون الآن على وضع حكومة ورئاسة ليبية تكون موالية لهم، وقوى المعارضة كلها كانت جاهزة للتوقيع والاتفاق معهم حتى قبل انقشاع غبار الحرب، وتحرك أوباما وفق استراتيجية توزيع المهام قدر الإمكان على محالفيه، ولذلك رأينا تحالفا عسكريا تقوده فرنسا تدخل في ليبيا، ويرسم الآن ما يريد.
في المحصلة قُتل القذافي بصورة بشعة، ومع هذا لم تصبح حياة الليبيين افضل مما كانت عليه في زمن القذافي، وإنما حصلت قوى الاستعمار على ما تريد، وأصبحت القوى في ليبيا تتسابق للتوقيع معهم اتفاقيات حول مصادر الطاقة الموجودة في ليبيا، فأوروبا تبحث عن مصادر جديدة للطاقة، وتسعى لتحقيق ذلك بكل الأشكال الممكنة، حتى لو اضطررت لاحتلال دول بأكملها كما فعلت في القرن التاسع عشر.
سبب التعريج على هذا الموضوع، هو ما يقوله أوباما الآن من اعترافات، وهو يثبت بذلك أحاديث المختصين الاجتماعيين بأنّ المجتمع الأمريكي "مجتمع اعترافي"، حيث تحدث أوباما عن أنّ أكبر خطأ قام به هو عدم قدرته على التخطيط لما بعد القذافي، بمعنى أنهم يقومون بتغيير نظام الحُكم بذريعة الحرب الأهلية، ويرسلون جنود الناتو لتلك الدولة ويحتلونها عسكريا، لكنهم لا يستطيعون التخطيط لمستقبل تلك الدولة، وفي نفس الوقت، وقبل وقف أزيز الرصاص، يوقع الطليان والفرنسيون اتفاقات حول الغاز الطبيعي.
هذه النقطة تحيلنا إلى أمرين متعلقين بأمريكا وأوروبا وما جرى للقذافي، أولها، هو أنّ الأوروبيون فتحوا أعينهم كاملة على المناطق التي يتدخلون بها لنهب خيراتها، واعتقد انه لا حاجة لي لشرح الوضع الاقتصادي الذي وصل إليه الاتحاد الأوروبي، ولذلك أرادوا الحصول على مصادر جديدة للطاقة بصورة عاجلة لكي يستمروا في حالة الرفاهية التي اعتادوا عليها، وهذا يثبت الحس الاستعماري الذي لا يزال يسري في دمائهم.
والأمر الآخر الذي ظهر جليا، هو عجز الولايات المتحدة الأمريكية وعدم قدرتها على إدارة أكثر من أزمة في نفس الوقت، فاعترافات أوباما الأخيرة تدل على العجز. أمريكا عجزت عن احتواء الأمر في ليبيا، لكنها سمحت بنهب خيراتها، وهذا يقودنا إلى السبب الحقيقي لبقاء أمريكا بعيدة عن الموضوع السوري، وخصوصا لأنّ سوريا لا تملك مخزونا استراتيجيا كالنفط، ولذلك يفضلون نظاما بعثيا علمانيا لحُكم سوريا، كما أنّ أمن إسرائيل يتطلب أنْ تكون الجيوش من حولها في أضعف حالاتها، وهذا ما يحصل في سوريا الآن.
وكل ما تقدم، يشير إلى أننا لا يجب علينا البحث عن خيوط "مؤامرة"، لأنّ الأمور أوضح من ذلك بكثير، فنحن اليوم أمام قوى امبريالية تريد فرض سيطرتها من جديد على شعوب المنطقة، ونهب خيراتها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس