إكرم بوغرا إيكينجي - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
يقع مقر القنصلية المصرية الحالي على ساحل بيبيك في إسطنبول، وكان ملكا للأميرة أمينة نجيب المرأة الوحيدة التي حصلت على لقب باشا خلال العصر العثماني. كانت أمنية، وهي من سلالة أسرة محمد علي في مصر واحدة من أعظم الشخصيات في مطلع القرن العشرين، ولا تزال ذكراها حية في القصر المسمى باسمها.
عندما غزا نابليون بونابرت مصر، الولاية العثمانية السابقة، في عام 1798 تجمعت مجموعة من المتطوعين من البلقان، وكان من بينهم شاب سيصبح رجلا ذا شأن في المستقبل. وعلى الرغم من أن الشاب محمد علي، من كافالا (التي تقع في اليونان الحالية) كان في البداية جنديا عاديا، فقد حقق تقدما في حياته المهنية بفضل ذكائه وحسن طالعه، فصار حاكما لمصر. أنشأ محمد علي في مصر سلالة حاكمة حكمت مصر حتى عام 1952، واعترفت الإمبراطورية العثمانية بمصر دولة مستقلة، وبسلالة محمد علي حكاما لها. حمل حكام مصر لقب خديوي أو نائب السلطان خلافا لغيرهم من حكام الولايات العثمانية الذين حملوا لقب والي. كانت أسرة محمد علي التي عاشت حياة بذخ على اتصال دائم بإسطنبول، وكان جميع أفراد الأسرة تقريبا يملكون منازل صيفية فيها. ولا تزال معظم القصور والدور المطلة على الضفاف المائية التي تمتلكها الأسرة قائمة حتى اليوم. من بين أفراد هذه العائلة اشتهرت امرأتان: الأميرة زينب التي بنت مستشفى زينب كامل في إسطنبول، والأميرة أمينة نجيب مالكة مبنى القنصلية المصرية العامة الحالي.
شخصية شهيرة في إسطنبول
الأميرة أمينة نجيب (1858-1931) هي ابنة الأمير إبرهيم إلهامي باشا. أراد والد إلهامي باشا، الخديوي عباس ثالث خديوي حكم مصر، أن يتخلى عن منصبه لابنه الوحيد إلهامي باشا، ورتب زواجه من ابنه السلطان عبد الجيد، منيرة سلطان، ليجعل ابنه صهرا للسلطان. كانت أمينة ابنة إلهامي باشا من زوجة أخرى، وقد مات إلهامي باشا في ريعان شبابه وترك ثروة طائلة لابنته. واعتبرت أمينة مناسبة لتوفيق باشا نجل الخديوي إسماعيل، فتزوجا في عام 1972. أقيم حفل زفافهما مع حفل زفاف ثلاثة من أشقاء الأمير، وحضر حفل الزفاف الرائع عدد من الضيوف المحليين والأجانب. وخلال احتفالات الزفاف التي استمرت شهرا كاملا، قدم الطعام للعامة أربعة أيام في الأسبوع.
خلف توفيق باشا والده الخديوي إسماعيل الذي عزل في عام 1879 بسبب إغراقه مصر في الديون. في عام 1882 احتلت بريطانيا مصر تحت ذريعة أن البلاد لم تسدد ديونها، وحاول توفيق باشا أن يخدم بلده في ظل ظروف بالغة السوء. كان توفيق عادلا ورحيما. كان للأميرة أمينة مكانة عالية في مصر، نظرا لأنها من سلالة محمد علي. كان زواجها من توفيق باشا زواجا سعيدا، فأنجبت له خمسة أبناء، وأدت جميع مهامها كزوجة للحاكم عن طيب نفس، ووقفت دائما بجانب زوجها. تدهورت صحة توفيق باشا بسبب الأوضاع السياسية في مصر، ووافته المنية في سن مبكرة عندما كان يتلقى العلاج في ينابيع حلوان في عام 1892، وترملت أمينة في سن صغيرة .
بدأت الأميرة أمينة، التي كانت تقضي فصل الصيف بدءا من شهر أيار/ مايو في إسطنبول، بعد وفاة زوجها في تمضية معظم وقتها في إسطنبول متنزهة في يخت المحروسة. كانت أمينة من أعظم الشخصيات في إسطنبول خلال حكم السلطان عبد الحميد، فكلما جاءت إلى إسطنبول، كان السلطان يرسل ضابطا رفيع المستوى للترحيب بها. كانت الأميرة موضع تقدير القصر، فنالت احتراما وتبجيلا. ومع ذلك لم تهمل مراعاة ابنها الصغير عباس حلمي الذي جلس على عرش مصر وهو في الثامنة عشرة من عمره، وتبادلت معه معرفتها وخبرتها.
كانت أمينة امرأة جميلة بشعرها الداكن، وبشرتها الشقراء وعينيها المعبرتين. في ذلك الوقت كان أهل إسطنبول مولعين بمنح الألقاب للأشخاص المتميزين، ووجدوا لقبا مثيرا للأميرة. وعلى الرغم من أن النساء عادة لا يحصلن على لقب باشا، فقد أطلق أهل إسطنبول عليها اسم الوالدة باشا، ما يجعهلها المرأة الوحيدة التي سميت بهذا الاسم في تاريخ الدولة العثمانية. كان لقب الخديوي في مصر يعادل لقب باشا في البروتوكول العثماني، وقد استحقت أمينة هذا اللقب، حيث إنها زوجة الخديوي السابق ووالدة الخديوي الحالي.
التفوق الحقيقي
كان قصر الدوبارة المطل على نهر النيل المقر الشتوي للأميرة أمينة، أما بيتها الصيفي في منطقة بيبك في إسطنبول فكان مملوكا لشيخ الإسلام عطاء الله أفندي الذي وافته المنية في عام 1800، وبعد وفاته انتقل البيت إلى الصدر الأعظم رؤوف باشا، ثم إلى الصدر الأعظم علي باشا، ثم اشترى السلطان عبد الحميد القصر الخشبي الذي يعد واحدا من أجمل مباني مضيق البوسفور، ومنحه للأميرة أمينة في عام 1895. هدمت الأميرة البيت القديم وبنت مكانه القصر الحالي بأسلوب الفن الحديث، وتكلف بناؤه 120 ألف ليرة تركية أي ما يعادل اليوم 15.9 مليون دولار. يعرف القصر أيضا باسم قصر الخديوية وقصر الوالدة، وهو أحد أهم القصور على مضيق البوسفور، وكان له بستان ضخم يمتد حتى التل. كانت الأميرة تتجول حول البستان خلال الأيام المشمسة، وتتناول الغداء مع الضيوف في شرفة البستان المطلة على خليج البوسفور. كانت الأميرة بالغة التأثير لبقة وحسنة المعشر، كما كانت على معرفة جيدة بالتطورات في أنحاء العالم. كانت الآنسة لين ابنة مدير المقبرة الإنجليزية في حيدر باشا السكرتيرة الشخصية للأميرة.
كانت الأميرة أمينة شديدة التدين، حريصة على أداء الصلوات الخمس، وذهبت لأداء فريضة الحج، كان بيتها مفتوحا للضيوف، وامتنعت عن ارتداء المجوهرات بعد وفاة زوجها، ولم تكن ترتدي سوى عقد من اللؤلؤ عند حضورها حفلات الزفاف، وظلت ترتدي الثياب على الطراز العثماني وفقا للتقاليد العثمانية حتى وفاتها. وقد أقر من رأوها بأن تفوقها الحقيقي لم يأت من المال بل من النبل والبساطة.
ومن وقت لآخر كانت الأميرة تذهب في رحلات على متن قاربها مع كثير من خدمها وهي ترتدي العباءة، وهي عبارة عن ثوب طويل فضفاض للمرأة، ما أثار فضول السكان المحليين. كان قاربها بمجاديفه الستة أرقى وأفضل قارب في ذلك الوقت. كان القارب مغطى من الجانبين بغلاف مخملي أزرق بين خطين من القشرة ، وكانت الأسماك المذهبة والمفضضة المرسومة على الغلاف في اتجاه البحر معروفة جدا، وكان الناس الذين يعيشون على طول ضفاف البوسفور مولعين برؤية هذا القارب.
أنجبت الأميرة خمسة أبناء: عباس حلمي، ومحمد توفيق، ونازلي، وفخر النساء خديجة، ونعمة الله. توفيت نازلي في طفولتها، ودرس عباس حلمي باشا في فيينا بعد وفاة والده، وصار خديوي مصر وهو في الثامنة عشرة من عمره، وتولى بعده شقيقه الأصغر محمد توفيق منصب الخديوي لعدة سنوات.
تزوجت الأميرة فخر النساء خديجة عباس حليم باشا شقيق الصدر الأعظم سعيد حليم باشا. وتزوجت الاميرة نعمة الله الأمير كمال الدين نجل كمال باشا الذي تولى عرش مصر بدعم من بريطانيا ، أما حفيد أمينة هانم الأمير عبد المنعم فكان الوصي على عرش مصر عام 1952، وتزوج الأميرة العثمانية نسل شاه حفيدة آخر السلاطين العثمانيين وحيد الدين، وحفيدة آخر خليفة عبد الحميد الثاني.
بعد غزو مصر كان الأمير عباس حلمي نجل الأميرة أمينة على خلاف مع بريطانيا، فخلع عن الحكم عام 1914، بعدها لم تتمكن أمينة من العودة إلى مصر فبقيت في إسطنبول حتى وافتها المنية في قصرها بعد مرضها بفترة وجيزة. كانت ترغب في أن تمنح قصرها للحكومة التركية باسم قصر الوالدة باشا، لكن رفض طلبها، فمنح القصر بدلا من ذلك للحكومة المصرية. وبعد وفاتها بيعت أغراضها الموجودة في القصر، وقدم ورثتها القصر هدية لمصر. صار القصر الآن مقرا للقنصلية المصرية، ويطلق عليه الناس قصر الوالدة باشا كما أرادت أمينة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس