إكرم بوغرا إكينجي - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
كان للطوائف غير المسلمة في الإمبراطورية العثمانية الحق في المطالبة بإعمال المبادىء القانونية لأديانهم وتطبيقها على السلطات الدينية الخاصة بهم لدعاوى الأحوال الشخصية. وبالإضافة إلى ذلك، كانت تلك الطوائف معفية من تطبيق الشريعة الإسلامية. وقد منحت المجتمعات المسلمة في شبه جزيرة القرم والبلقان في البلدان التي أعلنت استقلالها عن الإمبراطورية العثمانية مثل هذا الامتياز بالتوازي مع تلك التي منحها العثمانيون لغير المسلمين.
اليوم، تمنح المملكة المتحدة وكندا المسلمين واليهود حق تطبيق الشرائع الخاصة بهم في دعاوى الأحوال الشخصية من جانب واحد. وهذا هو الحال أيضًا بالنسبة للبلدان التي ليس فيها للمسلمين سلطة سياسية مثل تايلند والفلبين والهند.
وفي السويد، تُطبق الشريعة الإسلامية (بشكلٍ محدود) في المحاكم على الجالية المسلمة بسبب الحرية الدينية الموجودة هناك.
استقلت اليونان عن الدولة العثمانية بعد أن حكمها العثمانيون لأكثر من أربعة قرون، بعد حرب الاستقلال اليونانية سنة 1821. وفي أعقاب حرب البلقان، وسّعت اليونان أراضيها من خلال حكمها لإيوانيا، وثيساليا، وكريت، وجزر بحر إيجه، ورودس وتراقيا الغربية، التي كانت معظمها مأهولةً من قبل المسلمين.
مع معاهدة أثينا في عام 1913، تم الإقرارُ بأن مئات الآلاف من المسلمين الذين يعيشون في اليونان سيخضعون لسلطة مجلس المجتمع الإسلامي في جميع قضاياهم، حيث يتم تأسيس المجتمع من قبلهم، وقد تم قبوله ككيانٍ قانوني. وتم تأكيد هذا القرار بموجب معاهدة لوزان سنة 1923.
ومع انتخاب المفتي سنة 1920، قبلت اليونان أحكام معاهدة أثينا كجزءٍ من سيادة القانون المحلية، وقد تم اختيارُ المفتي وممثله من قبل مجلس المجتمع الإسلامي، وأبلغ مبعوثٌ يوناني نتائج الانتخابات لشيخ الإسلام في إسطنبول. ومع انهيار الإمبراطورية العثمانية، تم التخلي عن هذا الإجراء سنة 1922 وألغي منصب شيخ الإسلام.
مُنح المجتمع المسلم في اليونان حقوقًا لم تمنح له في الجمهورية التركية، فقضايا الزواج والميراث والطلاق وغيرها من قضايا الأحوال الشخصية، كانت تحدث جميعها بحضور المفتي الذي يقوم بتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية عليها. وتتم كتابة العقود جميعها بالأبجدية العثمانية لتقوم السلطات الرسمية بالتحقق منها وترجمتها لليونانية.
الإسلام بالنسبة للمسلمين ليس مجرد اعتقاد وعبادة، بل إنه ينظم جميع الشؤون الدنيوية. ومن هنا، فإن من متطلبات الإسلام اتباع الشريعة أيضًا في المسائل القانونية.
هاجم المجلسُ العسكري اليوناني الذي سيطر على انقلاب عام 1967 الحكومة لإجرائها انتخابات المفتي، وفي أعقاب سقوط العصبة الحاكمة، ونظرًا لعدم تمكن الجالية الإسلامية من انتخاب أعضاءٍ جدد، فقد مجلس المجتمع الإسلامية وظيفته. وبموجب أمرٍ رئاسي صدر سنة 1990 تم إلغاء قانون عام 1920، وأصبحت الحكومة تعين المفتين بنفسها من خلال اختيارهم من بين الأئمة الذين عملوا لعشر سنوات. وقد رفضت أنقرة ذلك، الأمر الذي أثار أزمةً دبلوماسية بين البلدين.
سنة 1924، أجرت تركيا واليونان التبادلات السكانية بينهما، باستثناء أولئك الذين يعيشون في إسطنبول وتراقيا الغربية التي يبلغ عدد سكانها المسلمين اليوم 150 ألف. غطت معاهدة لوزان المجتمع الإسلامي في اليونان، فأنقرة كانت لا تزال حكومةً إسلامية. ولهذا السبب، أصرّت أثينا على استخدام مصطلح "مسلم" بدلًا من "تركي"، فبعد كل شيء لم تتكون الجالية الإسلامية في اليونان من الأتراك فحسب، لكنها ضمّت مسلمين من اعراقٍ أخرى.
عرضت حكومة رئيس الوزراء اليساري جورج باباندريو سنة 1984، إمكانية الزواج في البلديات لأولئك الذين يرغبون في ذلك. وحتى ذلك الحين، كان المسلمون يتزوجون في بيت المفتي في حين يتزوج المسيحيون في الكنائس. وفي عام 2013، حكمت محكمة عليا في االيونان ضد إرادة المسلمين من ترقيا الغربية من خلال منع تطبيق الشريعة الإسلامية بأي شكلٍ كان.
وعلى الرغم من القمع الذي تعرض له المسلمون، استطاع المجتمع المسلم في اليونان تحقيق موقفٍ واضحٍ من الأيديولوجية الرسمية في السنين الأولى للجمهورية التركية. وبينما كان للفتيات والنساء في اليونان حرية ارتداء الحجاب أثناء الدوام المدرسي، تم حظرُ حرية المحجبات في تركيا.
كان للمسلمين حرية الخروج من دوامهم يوم الجمعة بما أنه اليوم المقدس في الإسلام، كما كانت لهم حرية الكتابة بالأبجدية العربية، وقد تم قبول أعيادهم واحتفالاتهم الدينية وعطلهم الرسمية، وهكذا انتقل الكثيرون منهم إلى تراقيا الغربية للعيش فيها.
اليوم، هناك فقط مدرستان نشيطتان في تراقيا الغربية من العصر العثماني، وقد تم قبول الخريجين في معهد ثيسالونيكي للتربية، وتم تعيينهم كمعلمين في المدارس التركية. وبسبب تدخل أنقرة التي حاولت تعيين معلمين بإمكانهم نشر أيديولوجيتهم الخاصة، تم إغلاق المعهد.
اليوم، هناك ثلاث مفتين، واحدٌ في كل من كوموتيني، وزانثي، وديديموتيتخو. ويتم دعم المفتيين في كل من كوموتيني وزانثي ماليًّا ومعنويًّا من أنقرة. وفي فترة الخلاف بين تركيا واليونان، حاكمت أثينا المفتين، إلا أنها أعادتهم لرأس عملهم بعد تحسن العلاقات مع أنقرة.
عندما توفي حسين مصطفى مفتي كوموتيني سنة 1985، والذي تم تعيينه وفقًا للأساليب القديمة، عينت أثينا حافظ جيمالي ميتشو مفتيًا، وهو خريج جامعة الأزهر في القاهرة. وفي عام 1990، توفي مفتي زانثي مصطفى حلمي، ورغب المجتمع الإسلامي بتعيين ابنه محمد أمين آغا مفتيًا جديدًا، ولكن بسبب قربه من نظام أنقرة وعلاقته بها لم توافق أثينا عليه واحتجّت بعدم إكماله لتعليمه الجامعي. وهكذا أطلق عليه اسم "المفتي المنتخب" بعد أن تم انتخابه من قبل المسلمين في جوامع القرية.
تمت إدانة محمد آغا من قبل المحكمة اليونانية لأنه عمل بشكلٍ غير قانوني، وتمت مصادرة كافة ممتلكات. بعد أن تم سجنه لفترة، حُوّلت عقوبته لعقوبة مالية، إلا أنه فضّل أن يقضي العقوبة في السجن معتبرًا أنه بذلك يمشي في طريق كفاحه، ولم يتم دعمُه من أي جهة رسمية تركية، ففي ذلك الوقت لم تكن أنقرة مؤيدة لتطبيق الشريعة الإسلامية على مسلمي اليونان.
ومع دعم الحكومة التركية في السنوات الأخيرة للمسلمين المقموعين في كل مكان في العالم، أثنى وزير التربية والتعليم اليوناني يورغو كالانسيس على بلده قائلًا: "نحن الدولة الوحيدة التي تطبق الشريعة الإسلامية في الاتحاد الأوروبي، وسندعم المسلمين في معركتهم".
كما قال رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس: "إن نطاق تنفيذ الشريعة الإسلامية سيكون محدودا في اليونان، ولكن كما شرّعت الاتفاقات الدولية، فإن للأقلية المسلمة في اليونان الحق في المطالبة بتطبيق المبادئ القانونية لدينهم".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس