ترك برس
قالت دراسة أصدرها معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي إن تل أبيب حاولت استغلال فرصة تدهور العلاقات بين تركيا وروسيا في أعقاب إسقاط المقاتلة الروسية في العام الماضي للضغط على تركيا لتقديم تنازلات في مفاوضات المصالحة، مشيرة إلى أن رغبة أنقرة في تخفيف التوتر مع موسكو كان الدافع وراء تعجيل إسرائيل بالتوقيع على الاتفاق.
وذكرت الدراسة التي أعدتها جاليا لندنشتراوس المتخصصة في الشأن التركي في المعهد أن التعاون الأمني والعسكري بين البلدين سيقتصر رغم التوقيع على الاتفاق على شراء تركيا لمعدات عسكرية وأمنية متطورة من إسرائيل، وأن العودة إلى التعاون العسكري الوثيق كما كان في الماضي صار أمرا متعذرا.
وفيما يتعلق بتصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا قالت الدراسة إن بناء خط أنابيب الغاز بين تركيا وإسرائيل لن يكون ممكنا دون حدوث تقدم في القضية القبرصية، حيث يمر هذا الخط بالقرب من المياه الاقتصادية القبرصية.
ولفتت الدراسة إلى أن تراجع حجم الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا خلال العام الماضي بما يقارب النصف يرجع، في جانب كبير منه، إلى عدم سماح تركيا للشركات الإسرائيلية بالمشاركة في المناقصات التي تطرحها الحكومة التركية.
وإلى نص الدراسة
يُعد اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل وتركيا تطورا إيجابيا وحيويا أيضا على ضوء التحديات الإقليمية التي يواجهها البلدان، وخاصة في سوريا وقطاع غزة. ومنذ حادثة السفينة مافي مرمرة في أيار/ مايو 2010 جرت مفاوضات بين إسرائيل وتركيا رافقتها تقلبات لحل الخلافات بينهما.
وضعت تركيا ثلاثة شروط لتطبيع العلاقات مع إسرائيل: الاعتذار، ودفع تعويضات، ورفع الحصار عن غزة. نفذ الشرط التركي الأول في في آذار/ مارس 2013 خلال زيارة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، باراك أوباما، لإسرائيل وذلك في اتصال هاتفي بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ورجب طيب أردوغان، رئيس الحكومة التركية آنذاك. وبالنسبة للتعويضات فقد تم التوصل إلى اتفاق في عام 2014 بشأن إنشاء صندوق يوزع 20 مليون دولار على عائلات ضحايا السفينة مرمرة، بحيث لا تكون إسرائيل على اتصال مباشر معها. وتجدر الإشارة إلى أن التعويضات هي أثر مباشر للاعتذار الإسرائيلي الرسمي الذي حمل لونا من تحمل المسؤولية (وإن كانت صياغة الاعتذار تتعلق بالأخطاء التي ربما ارتكبت خلال الحادث).
أما الشرط الثالث الذي وضعته تركيا برفع الحصار عن غزة فكان الأكثر إشكالية بالنسبة لإسرائيل، فبعد حادثة أسطول الحرية خفضت إسرائيل جزءا كبيرا من القيود على عبور السلع برا إلى غزة، لكن قضية الحصار كان ينظر إليها على أنها حاجة أمنية لا يمكن إبداء مرونة بشأنها. ويبدو أن ذلك كان دبلوماسية خلاقة سمحت للجانبين بالتغلب على الخلافات في هذا الموضوع. إن إسرائيل التي تسمح لتركيا بالمشاركة في جهود إعمار غزة بعد عملية "الجرف الصامد" ستسمح لها يتطوير مشروعات جديدة ومن بينها بناء محطة لتوليد الكهرباء (بالتعاون مع ألمانيا) ومشروع تحلية المياه، وهذه المشروعات في الواقع مصلحة إسرائيلية واضحة، لأنه بدونها ستصبح الظروف المعيشية في غزة مستحيلة. خلال المؤتمر الصحفي الذي عرض فيه الاتفاق أكد رئيس الحكومة نتنياهو أنه بدون تحسين وضع قطاع الكهرباء والمياه في غزة، فإن هناك مخاوف من تلوث المياه الجوفية، وانتشار الأوبئة في إسرائيل. وبعيدا عن قضية الكهرباء والماء فإن تركيا تشارك في بناء مستشفى، واستاد رياضي، ووحدات سكنية، وترميم المساجد في غزة. كما اتفق على أن تسمح إسرائيل بعبور المساعدات التركية الإنسانية عبر ميناء أسدود. لكن من الجدير بالذكر أن السياسة الإسرائيلية في هذه المسألة ليست متسقة، فقد شجعت في الماضي أيضا هذا الخيار الذي يسمح بفحص أمني إسرائيلي.
بالنسبة لإسرائيل تركزت مطالبها من تركيا على أن تطبيع العلاقات لن يقتصر فقط على الجانب الشكلي من عودة السفراء إلى أنقرة وتل أبيب، ولكن ستكون له جوانب عملية. أما المكسب الملموس الواضح من الاتفاق فقد حصلت عليه إسرائيل في 4 أيار عندما رفعت تركيا الفيتو على تعاون إسرائيل مع حلف الناتو، وسمحت بالبدء في عملية افتتاح مكاتب إسرائيلية في الحلف. وضعت تركيا عراقيل أمام التعاون الأمني بين الناتو وإسرائيل منذ عملية الرصاص المصبوب في أواخر عام 2008، وكان رفع الفيتو التركي خطوة لبناء الثقة تدل على أن استئناف العلاقات بين البلدين صار قريبا. مطلب إسرائيلي آخر يتعلق بإلغاء الدعاوى القضائية التي رفعتها تركيا في حادثة السفينة مرمرة، وخاصة الدعاوى المتعلقة بكبار قادة الجيش الإسرائيلي. ونظرا لطول الفترة الزمنية التي مرت منذ الحادثة، والمضي قدما في الإجراءات القانونية في تركيا، فقد تطلب الأمر أن يصدق البرلمان التركي على الاتفاق من أجل إلغاء هذه الإجراءات القانونية. كان وزير الدفاع السابق موشيه يعالون هو من وضع طرد القيادة العسكرية لحماس من إسطنبول شرطا للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وتركيا. وبالفعل فإن الاتفاق لا يمنع استمرار وجود حماس في تركيا، لكن إسرائيل حصلت على تعهد بأن تركيا ستمنع العمليات العسكرية ضد إسرائيل من أراضيها.
أما بالنسبة لمسألة العلاقات بين تركيا وحماس، فقد ظهرت في أوساط صانعي القرار والشعب الإسرائيلي مواقف متناقضة في هذا الموضوع. فمن ناحية هناك إدانة لهذه العلاقات، ومن ناحية أخرى توجد رغبة في الاستعانة بهذه العلاقات، من أجل المضي في إطلاق سراح المواطنين الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس، وإعادة جثث المفقودين من عملية الجرف الصامد. وبالإضافة إلى ذلك فمن الممكن أن تتوسط تركيا في المستقبل بين إسرائيل وحماس في حال حدوث جولة أخرى من العنف في غزة، وذلك على الرغم من أن إسرائيل عارضت بشدة الوساطة التركية القطرية خلال عملية الجرف الصامد.
وينبغي التأكيد على أن من بين العوامل التي عجلت، من جانب إسرائيل، بالتوصل إلى اتفاق مع تركيا هو طموحها إلى استغلال الفرصة التي لاحت على ما يبدو على ضوء الأزمة التركية الروسية في أعقاب إسقاط المقاتلة الروسية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. وكانت المحاولات التركية في الفترة الأخيرة لتخفيف التوتر بينها وبين روسيا إشارة إلى أن نافذة الفرص تلك على وشك أن تغلق.
في فترة شهر العسل بين إسرائيل وتركيا في تسعينيات القرن الماضي كان التعاون الأمني عاملا جوهريا للعلاقات، وعلى هذا الأساس يطرح سؤال هل يمكن في الوقت الحالي بعد الاتفاق استئناف هذا التعاون. في هذا الصدد ينبغي التمييز بين التعاون بين الجيوش ووكالات الاستخبارات، وبين شراء معدات متطورة من إسرائيل، مثل شراء طائرات بدون طيار، وأنظمة دفاعية مضادة للصواريخ. وفيما يتعلق بالتعاون الفعال فإن مستوى انعدام الثقة بين الجانبين لا يزال مرتفعا، ويتوقع أن يجعل من الصعب تحقيق تعاون ذي قيمة. ومع ذلك فمن المرجح - في إطار حلقات أوسع للتعاون وبشكل غير مباشر - أن تساعد إسرائيل التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وتركيا عضوة فيه. ويبدو أن فرص بيع معدات متطورة من إسرائيل إلى تركيا أكبر بكثير، لكن ينبغي الإشارة إلى أن تركيا لديها اليوم طلبات أكثر من الماضي من ناحية طلباتها بتبادل المعرفة لتطوير صناعاتها الدفاعية.
وفي حين يتعذر على تركيا وإسرائيل العودة إلى التعاون الأمني الوثيق، فإن إمكانيات التعاون بينهما في المجال الاقتصادي تبدو مضمونة بشكل أكبر. أولا يبدي الجانبان تفاؤلا بشأن جدوى تصدير الغاز الطبيعي الذي اكتشف قبالة السواحل الإسرائيلية إلى تركيا، وربما من هناك إلى أوروبا. ومع ذلك يجب أن نتحفظ ونذكر أنه بدون تقدم حقيقي في حل قضية قبرص، ستجد تركيا وإسرائيل صعوبة في بناء خط أنابيب الغاز الذي يمر بالقرب من المياه الاقتصادية القبرصية. وهناك أيضا سؤال يتعلق بمسألة توسيع حجم التجارة بين البلدين. في السنوات الأخيرة لم تتضرر الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا، بل إنها زادت، لكن في عام 2015 انخفض حجم الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا بـ40% تقريبا. ويعزى جزء من هذا الانخفاض إلى تراجع أسعار الطاقة (من بين الصادرات الإسرائيلية إلى تركيا النفط المكرر) لكن الانخفاض يعكس جزئيا حقيقة أن الشركات الإسرائيلية ممنوعة عمليا من الوصول إلى المناقصات الحكومية في تركيا بسبب الأزمة بين البلدين. وعلاوة على ذلك فقد خلقت الأزمة أجواء من عدم الثقة لم تشجع على التعاون الاقتصادي.
إن التوصل إلى اتفاق بين تركيا وإسرائيل ليس سوى خطوة أولى في إعادة بناء الثقة بين قادة وشعبي البلدين. والأكثر أهمية بعد الاتفاق أن يقل انشغال الطرفين بالأسئلة المتعلقة بتنازلات كل طرف ومكاسبه، ولكن أن يركزا على بناء أجندة إيجابية للتعاون. في المؤتمر الصحفي الذي عرض فيه الاتفاق قال نتنياهو إن إسرائيل أطلعت عددا من الدول على تفاصيل الاتفاق، من بينها مصر واليونان وقبرص. ويمكن أن نفترض أن المملكة العربية السعودية لعبت من وراء الكواليس لتليين المعارضة المصرية للاتفاق بين تركيا وإسرائيل، حيث تخشى مصر من أن يؤدي الاتفاق إلى تعزيز قوة حماس. أما بالنسبة لليونان وقبرص اللتين وثقت إسرائيل العلاقات معهما في السنوات الأخيرة فسيحتاج الأمر جهدا خاصا من أجل المحافظة على ما تحقق في هذا المجال، كما يتطلب العمل كذلك على إقناع تركيا بأن التعاون في مجال الطاقة بين تركيا وإسرائيل سيراعي اعتباراتها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!