إسماعيل ياشا - عربي 21
دعم الإسلاميون في تركيا أحزابا سياسية عديدة، وكان تيار "مللي غوروش" أي " الرأي الوطني" بزعامة الراحل نجم الدين أربكان يمثل الأغلبية منهم في المعترك السياسي. وأسَّس هذا التيار منذ يناير/ كانون الثاني 1970 حتى اليوم حزب النظام الوطني، وحزب السلامة الوطني، وحزب الرفاه، وحزب الفضيلة، وحزب السعادة. وتم حظر جميع تلك الأحزاب إما من قبل الجيش بعد الانقلاب العسكري أو المحكمة الدستورية بحجة أنها تحولت إلى وكر لأنشطة مناهضة للنظام العلماني، باستثناء حزب السعادة الذي يواصل نشاطه السياسي برئاسة مصطفى كامالاك.
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان ورفاقه انشقوا عن تيار أربكان بعد أن حاولوا التغيير في الخط السياسي لحزب الفضيلة، ودخل الرئيس السابق عبد الله غول في منافسة مع رجائي قوطان لتولي رئاسة حزب الفضيلة إلا أن جناح "ذوي الشعر الأبيض" الذي يمثل كبار السن في الحزب، بدعم من أربكان، انتصر في هذا التنافس أمام جناح الشباب الذي يمثل المطالبين بالإصلاح. ولم يبق أمام أردوغان ورفاقه غير الانشقاق وتأسيس حزب جديد يسير على خط سياسي مختلف.
أردوغان حين انشق عن تيار "مللي غوروش" وأسس مع رفاقه حزب العدالة والتنمية قال إنهم خلعوا "ذاك القميص" في إشارة إلى التخلي عن أيدلوجية التيار والخط السياسي الذي يسير عليه. وتبنى حزب العدالة والتنمية خطا سياسيا أقرب إلى الخط السياسي الذي كان يمثله الحزب الديمقراطي برئاسة عدنان مندريس وحزب الوطن الأم برئاسة تورغوت أوزال.
حزب العدالة والتنمية، بخلاف الأحزاب السياسية التي أسسها تيار "مللي غوروش"، رفض تصنيفه كحزب إسلامي، بل وصف نفسه بــ"الديمقراطي المحافظ"، وظل بعيدا عن استخدام الشعارات الدينية.
وبخلاف الأحزاب الإسلامية التي تدعو إلى الوحدة الإسلامية لمواجهة الغرب المسيحي، اهتم حزب العدالة والتنمية بالاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة وتعزيز الديمقراطية والإصلاحات في إطار جهود الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وكانت السياسات التي تبناها يمكن وصفها إلى حد كبير بــ"البراغماتية".
وعلى الرغم من هذا الانطلاق، فقد سيطر خطاب الإسلاميين على أدبيات حزب العدالة والتنمية في السنوات الأخيرة، وأسهمت في هذا التحول مواقف اتخذتها الحكومة التركية إثر أحداث شهدتها المنطقة، كقطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب جراء حادثة الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مرمرة. ومما لا شك فيه أن أردوغان بمواقفه وكلماته، مثل رده الشهير على الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز في منتدى دافوس، أسهم كثيرا في تعزيز خطاب الإسلاميين في صفوف حزب العدالة والتنمية.
ثورات الربيع العربي جاءت لتتوج صعود الخطاب الإسلامي داخل حزب العدالة والتنمية الذي وقف إلى جانب الشعوب الثائرة من أجل الحصول على حريتها وكرامتها. وأيَّد معظم الإسلاميين هذا الموقف بقوة كما أنهم أيدوا دعم الحكومة التركية للقضية الفلسطينية وتعاطفها مع سكان غزة المحاصرين.
وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على إضرام محمد البوعزيزي النار في نفسه ليشعل شرارة الربيع العربي، وفي ظل نجاحات حققتها الثورة المضادة بالتعاون مع الدول الغربية المتآمرة على الشعوب العربية الثائرة، فقد وجدت تركيا نفسها في حصار يشارك فيه القريب قبل البعيد، وأنها مضطرة لمراجعة في سياستها الخارجية، غير أن هذه المراجعة التي أدَّت إلى المصالحة بين تركيا وإسرائيل وترميم العلاقات التركية الروسية شكَّلت صدمة للإسلاميين وأثارت أزمة غير مسبوقة في علاقاتهم مع أردوغان.
التحولات التي تشهدها السياسة الخارجية التركية وتصريحات المسؤولين الأتراك حولها تشير إلى أن أردوغان يخلع مرة أخرى "قميص الإسلاميين" ويحاول أن يعيد حزب العدالة والتنمية إلى المعايير التي تأسس عليها ليتبنى البراغماتية بعيدا عن الشعارات الإسلامية. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: "هل يؤدي هذا التحول إلى التخلي عن دعم أردوغان وحزب العدالة والتنمية؟"، إلا أنه من الصعب جدا أن نجيب عن هذا السؤال بـ"نعم"، في ظل عدم وجود بديل وتأييد شعبي للخطوات التي تقدمها الحكومة للحفاظ على أمن البلاد واستقرارها واقتصادها.
الإسلاميون ليسوا بالأغلبية في تركيا، ولا تسمح الظروف السياسية الراهنة لهم بتأسيس حزب جديد يمكن أن ينجح. وأما حزب السعادة، فبعيد كل البعد عن تحقيق تطلعاتهم، ما يعني أن حزب العدالة والتنمية ما زال هو الخيار الأفضل للإسلاميين، حتى يخرج بديل يرونه أقرب إليهم ويحظى بتأييد شريحة واسعة من المجتمع التركي لضمان نجاحه.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس