إسماعيل ياشا - عربي 21

أعادت الانتخابات المحلية الأخيرة التي أجريت في 31 آذار/ مارس الماضي في تركيا؛ إلى الأذهان مشاركة الإسلاميين في شيطنة السلطان عبد الحميد الثاني قبل عزله عن العرش، وأثارت تساؤلات حول احتمال تكرار ذات السيناريو بسبب موقف الإسلاميين من رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية، ليؤدي إلى نتيجة مشابهة وعواقب وخيمة.

الإسلاميون، مثل الشاعر الوطني الكبير محمد عاكف والعالم الداعية الشهير سعيد النورسي والصدر الأعظم سعيد حليم باشا وبابان زاده أحمد نعيم أفندي، كانوا من بين المنتقدين لسياسات السلطان عبد الحميد الثاني التي كانت تهدف إلى حماية الدولة العثمانية من مؤامرات الدول الغربية. وكانوا يتهمون السلطان بـ"ممارسة الاستبداد" و"عدم التشاور مع الآخرين" وتعيين أشخاص بناء على الاعتبارات الأمنية والولاء، بدلا من تعيين الأكفاء المؤهلين. وبعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني، لم يتحقق أي من مطالب هؤلاء الإسلاميين، بل انهارت الدولة العثمانية على أيدي رجال جمعية الاتحاد والترقي خلال سنوات.

السلطان عبد الحميد الثاني كان يدعو إلى وحدة المسلمين لحماية الدولة العثمانية والأمة الإسلامية، كما أن الإسلاميين كانوا يرمون إلى ذات الهدف، ولكن السلطان كان ينطلق في سياساته من منطلق رجل دولة يحمل مسؤوليات ثقيلة في ظروف حرجة تفرض عليه ما لا يعجب العلماء والمفكرين الإسلاميين؛ الذين كانوا يرون أن تلك السياسات تتعارض مع القيم والمبادئ الإسلامية.

حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان يواجه منذ فترة انتقادات مشابهة زادت حدتها قبيل الانتخابات المحلية الأخيرة. ويرى مراقبون أن تلك الانتقادات التي يتبناها الإسلاميون ويروجونها، دفعت بنسبة من مؤيدي حزب العدالة والتنمية إلى مقاطعة الانتخابات، الأمر الذي أدى تراجعه إلى المرتبة الثانية بعد حزب الشعب الجمهوري المعارض في عموم البلاد.

المعارضة ترى أن محاولة ضرب حزب العدالة والتنمية بمطالب الإسلاميين هي الطريقة الأنجع لإضعافه وإسقاطه، وأن هذه الطريقة آتت أكلها في الانتخابات المحلية. ولذلك، تواصل بث أنباء عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية الموالية لها، من شأنها أن تغذي استياء الإسلاميين من أداء حزب العدالة والتنمية، وتؤججه، حتى وإن كانت معظم تلك الأنباء مجرد إشاعات مختلقة وبعضها الآخر مبالغا فيها.

الانتقادات الموجهة إلى حزب العدالة والتنمية في بعض القضايا العامة يشارك فيها الإسلاميون مع غيرهم، مثل عدم حل مشكلة الكلاب الضالة التي تتفاقم يوما بعد يوم وتهدد حياة المواطنين، كما أن هناك استياء في صفوف الإسلاميين من تعيين أقرباء السياسيين المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية في مناصب مرموقة أو إجراءات تفوح منها روائح الفساد. ومن المؤكد أن انتقاد تلك الأمور في محلها، إلا أن هناك حقيقة أخرى يجب أن لا تغيب عن الأذهان، وهي أن معظم ما انتقده الإسلاميون به حزب العدالة والتنمية، كالفساد وغيره، يوجد لدى المعارضة عشرات أضعافه.
تفاخر بعض المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية بحياتهم الفارهة أو إجازاتهم في بلاد مختلفة، من خلال نشر صورهم في مواقع التواصل الاجتماعي، أمر آخر ينزعج منه الإسلاميون. ومما لا شك فيه أن هذه الظاهرة لا تليق بالحزب الحاكم في الوقت الذي تعاني فيه شرائح عديدة في المجتمع من الفقر وقلة الدخل وصعوبات الحياة. وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة أكثر انتشارا في صفوف المعارضة، وأن بعض هؤلاء كانوا يعيشون ذات الحياة قبل انتمائهم إلى حزب العدالة والتنمية بحكم أعمالهم أو عائلاتهم الثرية، إلا أن المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية يجب عليهم مراعاة مشاعر المواطنين وظروفهم المعيشية.
موقف الحكومة التركية من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ومدى تأثيره في دفع نسبة من الناخبين إلى مقاطعة الانتخابات، ما زال محل نقاش في أوساط الإسلاميين، ويرى بعضهم أن حزب العدالة والتنمية "خذل الشعب الفلسطيني"، واستحق المعاقبة عبر صناديق الاقتراع. وبغض النظر عن تقييم أداء الحكومة في هذا الملف، فإن المؤكد الذي لا غبار عليه أن موقف المعارضة التي تصف حركة حماس بـ"منظمة إرهابية"؛ من حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وقضيته العادلة ونضاله ضد الاحتلال، لن يكون أفضل من موقف الحكومة على الإطلاق.

الشاعر الوطني محمد عاكف يشير في إحدى قصائده إلى أن التاريخ يقال إنه "مجرد تكرار للأحداث"، ثم يتساءل قائلا: "هل كان سيتكرر لو أُخِذت دروس منه؟". وقد يسقط حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة بفضل معارضة الإسلاميين أو امتناعهم عن التصويت له، ليستلم حزب الشعب الجمهوري حكم تركيا على طبق من ذهب، إن لم يجد حزب العدالة والتنمية والإسلاميون سبلا ليتفاهموا ويتفقوا على حماية المصالح العليا للبلاد والعباد.
 

 

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس