ترك برس
أشار الباحث والكاتب الصحفي الفلسطيني "عبّاد يحيى"، إن محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا كانت حدثًا جللاً، ففي أقل من ليلة بدا كل شيء واضحًا ومكثفًا ومكشوفًا، بدا وكأن ثمارًا ستقطف وشغلًا طويلاً سيحصد من خلال انقلاب عسكري، مشيرًا أن وسائل إعلام ضخمة سارعت لتبنيه والحديث باسمه ونشر أخبار تمكنه من البلاد بل وطلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اللجوء وغيرها من الأكاذيب.
وقال يحيى، وهو رئيس تحرير موقع "الترا صوت"، في مقال له، إن كل شيء انقلب فيما بعد لتبين الصورة واضحة، وينكشف في غضون ساعتين كيف تعمل وسائل إعلام كهذه، وكيف تلقي كل قيم الدقة والمهنية وعدم الانحياز جانبا في لحظة حصاد متوقعة ضد خصم سياسي.
وأشار إلى أن وسائل الإعلام الأوروبية الناطقة بالعربية مشغولة بتركيا منذ أشهر طويلة، ما يمكن أن يكون خبرًا محليًا تركيًا يتصدر نشراتها، أي معارض للحكومة والحزب الحاكمين في تركيا هو ضيف دائم بصرف النظر عن قيمة ما يقول، ومعلومات دون مصادر واضحة، أو تنسب إلى مصادر صحفية غير معلنة، ثم طرح برامج التفاعل والتصويت على الجمهور العربي بمواضيع وأسئلة كلها مشغولة بتركيا، مشيرًا أن السؤال المهم صار، "لماذا تعنى هذه الوسائل الإعلامية إلى هذا الحد بتوجيه كل هذا المحتوى عن تركيا نحو جمهور عربي".
وشدّد على أنه "ثمة ريبة هائلة في كل هذا الجهد الموجه للجمهور العربي، لماذا لا تطال التغطيات دولًا بثقل ووزن إقليمي لا يقل أهمية عن تركيا؟ لماذا كل اعتقال لصحفي في تركيا خبر رئيس في حين لا تحضر إيران مثلا في أجندة هذه القنوات؟ دعنا من إيران، لماذا لا تحضر الدول العربية نفسها؟ مع أن جمهور هذه القنوات عربي حصرا! ما معنى أن يكون الانشغال بالشأن التركي أكبر من الانشغال بالشأن الأوروبي نفسه الذي تنتسب إليه القنوات أصلا! ما الذي يجعل تركيا موضوعا مهما لتشكيل الرأي العام العربي حياله لدى واضعي سياسات هذه القنوات الحكومية في النهاية؟".
ولفت يحيى أن التلهف على الانقلاب ونجاحه كان مكشوفًا تمامًا ليلة الجمعة، ففي تركيا ونظامها السياسي وحالها اليوم ما ينبغي تغييره، هذا الموقف تكشف في التغطيات، "تركيا ضعيفة مليئة بالمشاكل والفساد، تركيا تدعم الإرهاب، لا يمكن المواءمة بين نظام علماني وهوية إسلامية، خصوم النظام في الداخل كثر ومحقون وقادرون على إسقاطه". كلها رسائل انشغلوا بها لأشهر وتكشفت بوضوح سافر الليلة. تمامًا كما تكشف سابقًا الموقف الداعم لنظام الأسد إعلاميًا في ذات وسائل الإعلام، وظلت المعادلة واضحة، تغذية المشاهد العربي بكل ما يشوه الجهود لإزاحة الأسد ثم تسويقه كخيار أسلم عبر مقابلات مطولة تختفي فيها شراسة الصحفيين الأجانب، وتفتيت الإجماع حول معارضي وجوده والقوى الديمقراطية المؤيدة لهذا التوجه في دول عربية أخرى.
إن الواضح اليوم، هو برأي يحيى "كيف تعمل هذه الوسائل الإعلامية كمؤسسات حكومية في دول ديمقراطية تحمل شعارات الديمقراطية وتتغنى بها، ولكنها تسخر جهودها بشكل سافر اليوم لدعم كل ما هو غير ديمقراطي عربيًا، بل وفي الإقليم. وتجمل صور الديكتاتوريات ومليشيات الطوائف تبعًا لموقف سياسي بات جليًا أنه لا يصب في صالح الشعوب العربية".
وإن كان لهذه الليلة أن تشكل خطوة لنا كعرب نحو الديمقراطية وحرية الشعوب وانعتاقها من الاستبداد والعسكر، فهو متصل بإعادة النظر في كل هذه الوسائل الإعلامية والانتفاض عليها وعلى تصدرها للمشهد، بل والنظر بريبة لمن تصدر من وجوه وما تطرح من نقاشات وقضايا. إن هذه الوسائل التي تندرج تحت ما يسمونها القوة الناعمة، تتحول لسند لمن يسفكون الدماء في منطقتنا، وتسهم في تشويش التصورات لدى الجمهور العربي عن خياراته وانحيازاته السياسية.
وختم مقاله بالقول: "قبل ليلة تركيا هذه، كان واردا أن يتساهل أحدنا مع من يقتبس هذه الوسائل وينقل عنها، أو ينحاز لمتابعتها، ولكن لا بد من القول بوضوح إن هذا الفعل التواصلي البسيط صار لا أخلاقيًا، بدءًا من أخلاقيات المهنة الصحفية، وصولا إلى أخلاقيات احترام دماء الشعوب التي تمحى كأنها لم تكن. ثم في نهاية المطاف، أخلاقيات احترام البشر لعقولهم، كحد أخير يجب على أي منا ألا ينتهكه بحق نفسه.
أما الوسائل المدعومة من دكتاتوريات الدم ومموليها الخائفين من أي توجه ديمقراطي، فهذه أدنى من نقاش ما تقول، هنا يكفي النظر في الصورة أدناه؟"
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!