شمس محمود - خاص ترك برس
انتهت إذن محاولة الإنقلاب الفاشلة لكن المواجهة ضد الانقلابيين ما تزال مستمرة، وهذه المواجهة تتم باحترافية كما حدث تماما في مواجهة الانقلاب بعد عون الله وتوفيقه.
- فبالأمس صدر توجيه من القيادة السياسية للجماهير الرافضة للانقلاب بضرورة التواجد الشعبي في الميادين وربما لمدة اسبوع أو اكثر مما يعني أن الصراع ما زال على أشده خصوصا وأن من يقودون حركة المواجهة المسلحة ضد الانقلابيين حتى الآن هم القوات الخاصة في الشرطة.
- تواجد أردوغان وسط الحشود في تشييع جثامين الشهداء وعدم ادارته للوضع من مكان آمن رغم أن عملية التطهير ما تزال قائمة يعطي رسائل للشعب والمتواجدين في الميادين أن الرئيس جاهز للمواجهة ولا يخاف ومستمر فيها.
وفشل الانقلاب أعطى زخما كبيرا وجديدا فى الحياة السياسية التركية للأتراك وغير الأتراك فأحزاب المعارضة بدت لجماهيرها وخصومها حريصة على الدولة ولم تراهن على المرجوا من الإطاحة بألد خصومهم وهذه حركة أخلاقية ستزيد من رصيدهم في الشارع ولو نتذكر كان خلاف هذا هو ما اثر على اللأحزاب التى قررت أن تنحاز ولو بالصمت على أعمال حزب العمال الكردستاني وإرهابه مما رجح كفة العدالة والتنمية في الجولة الثانية من الانتخابات.
- كذلك أردوغان يمكنه بعد إتمام عملية التطهير التحرك بحرية أكبر فى إجراء الإصلاحات المرجوة بحذر أيضا ولكنه ليس كالحذر السابق.
- أما بخصوص العلاقات الخارجية فقد باتت أكثر وضوحا خصوصا للشعب مؤيد ومعارض وتعرت تماما مواقف أوروبا وروسيا وحلفائهم وبات واضحا أنهم كانوا حريصين على نجاح الانقلاب أكثر بكثير من حرصهم على الدم التركي ونهوض الأتراك حتى أنهم لم يتحدثوا عن جرائهم الانقلابيين التى وصلت إلى قصف الناس بالطائرات ودهسهم بالدبابات وإطلاق النار المباشرة على الجماهير الرافضة لإنقلابهم بل كانت تصريحاتهم تصب فقط في حماية من يبدوا أنهم رجالهم فى الداخل.
وإصرار الغربيين على التصريح بتصريحات تحاول الضغط بشكل كبير على الحكومة لحماية الانقلابيين من العقاب. وهذا يعني أنهم ما يزالون على تواصل مع الانقلابيين ويحاولون ايصال رسائل جديدة للانقلابيين مفادها لستم وحدكم.
فوزير خارجية فرنسا صرح بأن: محاولة الانقلاب لا تعطي لأردوغان شيكا على بياض في إجراءاته ضد من قاموا بالانقلاب؟!!
- وبوتين يؤكد على "نهج روسيا المبدئي برفض الإجراءات غير الدستورية والعنف في الدولة".
- والبرلمان الأوروبي يحذر أنقرة من استغلال الانقلاب في قمع الحريات!!
لكن لو نجح الإنقلاب الذي قتل واعتدى وسفك الدم الحرام وهو يحاول السيطرة، والذي يقتل ويعتقل وينتهك كل شيئ فلا يرقب فى الناس إلا ولا ذمة يكون عند الغربيين والمجتمع الدولي ومجلس الأمن لا بأس به ويمكن تفهمه وتفهم وحشيته وخستة وجرائمه ويمكن التعامل ثم الاعتراف به من بعد.
وهو ما يفسر بشكل جلي ما هو الدور الأمريكي والأوروبي والروسي أو قل إن شئت "الدولي" بمن فيهم دولا عربية وإسلامية (تشكل الممول لمواقف الدول الكبرى ضد إرادة شعوب المنطقة بالتحرر) مما يحدث فى سوريا والعراق وافغانستان وتركستان وميانمار وخصوصا سوريا التي توضح للعالم الحر – بعيدا عن السياسيين - إلى أى مدى وصلت الخسة العالمية إلى أدنى مستوياتها رغم الوضوح التام هناك بين المجرم والضحية ولكن هذا المجتمع الدولي "المجرم" يصر على تمييع ذلك والدفع دوما بخصوم جدد وقضايا جديدة من أجل التشويش وإعطاء مزيدا من الفرص لبشار كي ينجز مهامة.
وأن الرسالة الواضحة التى يوجهها مجلس الأمن والأمم المتحدة ومن يدعون السلام والمحافظة على حقوق الإنسان هي: لابأس بالمجازر والانتهاكات أن خرجت من حلفائنا ورجالنا.
فما يفعله ويصدر عن الولايات المتحدة وروسيا وحلفائهما وقاحة مفضوحة واتباع هؤلاء بيننا اليوم برروا للمجازر والتجاوزات "الكمالية" الفاحشة تحت زعم حماية الجمهوية ومبادئ العلمانية ودافعوا عن جرائم أمريكا وروسيا وتعاموا بل أيد بعضهم النظام السوري المجرم لأنه " علماني " يحمي الدولة من التقسيم؟!!
أما إذا تعلق الموضوع برجل أتى من خلفية إسلامية يحاول التأسيس لتركيا جديدة يتعامل وفق "القانون" مع انقلاب دموي قتل وهدد أمن البلاد فهنا يبدون مخاوفهم وانزعاجهم الشديد على حقوق الإنسان واحترام الدستور وحرية الانقلاب بالمرة؟!! لكنه كما قيل: العواء يبقى دائما على قدر الألم.
كذلك سيكون التفكير فى محاولات الإنقلابات مستقبلا ودعمها غربيا بعيدا جدا ويلزمه مدة زمنية طويلة لإعادة تأسيس محاولات جديدة بجعل الناس تنسى الجريمة التي ارتكبتها هذه الدول بحق الشعب التركي وإحباط هذا مهمة ملقاة على عاتق الموجودين فى السلطة الآن في التأكد المستمر من خلو المؤسسات بشكل كبير جدا من الانقلابيين. فهم لن ينتهوا تماما ولكن ينبغي أن تكسر شوكتهم واتصالتهم كل فترة فهذه أولوية.
وكذلك الانتباه إلى أن بوصلة الزعزعة الجديدة التي سيحاول الغرب إنتاجها وتمويلها في الخطة "ب" ربما ستكون سياسية وهي محاولة تشويه العدالة والتنمية بشكل أكبر مثل الحديث بكربلائية عن إجراءات التعامل - المهين - مع جنرالات الجيش الانقلابيين كما لو أنه كان يجب تكريم القتلة الذين خانوا شعبهم بقتله ودهسه بالدبابات وإطلاق النار عليه والقسم الذي أقسموه بحماية الوطن واستقلاله. أو حديث البعض - رغم وجود مستندات الإدانة - عن انه لماذا يتم القبض على بعض القضاة مثلا اليس من قاموا بالانقلاب عسكريين؟!!
كما لو أن الإنقلاب ليس له مؤيدون وممولون ورعاة مدنيون وعسكريون وفي كافة مؤسسات الدولة. ونعم يجب هنا التنويه عن أن هذه الإجراءات يجب أن تكون تحت الرقابة "الداخلية" فقط لسلامة إجراءات القبض والتحقيق وأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته ومن تثبت إدانته يعاقب عقاب يردع غيره عن محاولة القيام بمثل هذا "الوسخ" مرة أخرى وتركيا ليست من "جمهوريات الموز" التي يكون فيها القانون شكلي أو يفصل وفق توجيهات الزعيم الفيلسوف الذي لا ينطق عن الهوى أو ينتهك عندما يهتف "حريم السلطان": (أفرم يا ريس) فيفرم الرئيس حتى الرضع وساكني القبور.
والغرب الذي لم يحرك ساكنا بل كان شريكا فى جرائم أبو غريب وجوانتناموا والعقرب والذي دعم دوما دكتاتوريينا والسعيد بما يحدث فى سوريا تؤرقه اليوم إجراءات التعامل مع انقلابيين قتلة. حتى روسيا "المجرمة" التي تسبقها سمعتها القذرة فى الشيشان وجورجيا وأكرانيا والتي تقصف الأطفال والثوار في سوريا حتى يختلط بقنابلهم الدم واللحم والإسمنت والتي تدعم أحد أكبر "شبيحة" الشرق الأوسط وأحد أكبر "نيرونيها" بشار الأسد وتدعم كبار السفاحيين في آسيا الوسطى من أمثال إمام علي رحمنوف في طاجيكستان وألأوزبكستاني إسلام كريموف والشيشاني رمضان قاديروف يتحدث فيها بوتين كعاهرة تدافع عن الشرف على خلفية محاولة الانقلاب العسكري عبر القوة بالسلطات التركية المنتخبة ديمقراطيا، عن: "نهج روسيا المبدئي برفض الإجراءات غير الدستورية والعنف في الدولة".
- كذلك ربما ستشهد القضية السورية والحراك السياسي التركي سيشهد كذلك تغيرا ملموسا بعد السيطرة التامة على هذا الانقلاب، فيبدوا أن كثيرا من الحذر التركي والتماهي مع السقف الأمريكي كان من أسبابه تحسب الانقلاب أو الحذر من تقديم أسباب تؤدي الى تعجيله أو إيجاد حاضنة شعبية له.
لم يخسر أحد لأنه لو نجح الانقلاب لعادت تركيا خطوات ضخمة ومذلة إلى الوراء على الصعيد السياسي والاقتصادي والدولي.
لأن الانقلابيين دائما ما يبحثون عن تأييد معلن بعيدا عن التأييد المبطن ومن أجله يقدمون كافة التنازلات التي تجعل من بلادهم "مسخة" فلا بأس أن يتسول الشعب وينتحر ماديًا ومعنويا حتى يشبع الانقلابيون "وحريمهم" سلطة ونفوذا.
وكان فشل الانقلاب خيرًا على ثلاثة ملايين لاجئ سوري كانت أوضاعهم ستزداد مأساوية لو نجح الانقلابيون – المؤيدون دوليا - من النجاح وكذلك الثوار فى الداخل الذين نعم كانوا يشكون من ضعف السقف التركي لهم خصوصا بعد التصريحات التركية الأخيرة بشأن سوريا.
لكنهم لو نجح الانقلاب سيكونون بلا سقف تماما بل وستكون القيادة الإنقلابية ولا شك ضدهم ومع بشار الأسد فدائما الطيور على أشكالها تقع.
كذلك المعارضين القادمين من مصر والشيشان وتركستان وبنجلادش كانوا سيصبحون جزء كبير من صفقات عالمية يقايض بها الإنقلابيين اذا ما شعروا بالخطر وسيصيبهم ضرر بالغ خصوصا وأن الأنظمة القمعية التى تحكم بلادهم متشوفة للقبض عليهم وجعلهم عبرة لمن لا يعتبر.
و التجربة الأردوغانية كانت آخر الحصون الحقيقية للربيع العربي وآخر ظهر سياسي - على ضعف فيه - للثوار والسياسيين الذين قدمهم الربيع العربي على الخريف السلطوي والقمعي رغم التراجع الحاد فى وصول الربيع إلى السلطة إلا قليل. وثورات الربيع التي منها من أجهض ومنها من ينتظر والتي كان يعني نجاحها الكثير بالنسبة للتجربة الأردوغانية داخليا وخارجيا في إضعاف النفاق والخسة الدولية بشأن قضايانا وقضايا المستضعفين حول العالم وإيجاد حليف قوي لتركيا سياسيا وإقتصاديا ولكن أبى بعض "الحمقى" ممن قدموا للقيادة الثورية والبعض ممن لا نعرف لهم "نسبا" فى ثورتنا ذلك.
وبقي البعض يتحدث: إن الانقلاب أضعف أردوغان والحرية والعدالة ولم يقوهم!!
وأنا أقول إن السؤال الصحيح هو: هل بقي وقت كافٍ لنفض آثار الانقلاب والدفع مجددًا بقطار العدالة والتنمية بعد أن اطمئنوا بشكل كبير بأن ظهرهم الآن صار محميا وهو سبب رئيسي نوهت إليه في مقالي "تركيا وسوريا الفرصة الضائعة والأخيرة" في موقف تركيا الضعيف سياسيا في القضية السورية والارتباط بالسقف الأمريكي.
أظن أن هناك وقت كافٍ لإعادة تمحور العدالة والتنمية حول خطواتهم الواسعة نحو التغيير الذي يريدون ورغم أن الانقلاب زاد من رصيد معارضي أردوغان الأقوياء إلا أنه كذلك أظهر أردوغان للشعب بصورة الرجل القوي والشجاع الذي يستطيع القيادة بحنكة بالغة في أحلك الظروف والقادر على حماية مكتسبات الدولة وسلامة الوطن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس