إيمري غومين - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
تشرفت بحضور المؤتمر الذي عقده الصحفي والمراسل الحربي الفرنسي، نيكولاس هينين، الأسبوع الماضي في إسطنبول. كان هينين محل تركيز وسائل الإعلام العالمية في عام 2013، وذلك عندما اختطفته داعش في أثناء تغطيته التطورات في محافظة الرقة، حيث احتجز لمدة عشرة أشهر مع صحفيين آخرين يمثلون وسائل إعلامية دولية أخرى، ولم يفرج عنه إلا بعد مفاوضات طويلة وشاقة وخطيرة بين السلطات الفرنسية وداعش عبر وسطاء. كان هينين محظوظا بما فيه الكفاية لنجاته من الموت المحقق، حيث إنه كان محتجزا في الزنزانة نفسها التي احتجز فيها الصحفي الأمريكي، جيمس فولي، الذي قتلته داعش بطريقة بشعة، وبثت مقطعا لذبحه على الإنترنت.
يهدف هذا العرض الطويل لفترة من حياة هينين إلى بيان مدى خبرته في الشأن الميداني في سوريا والعراق. يتحدث هينين العربية بطلاقة، حيث أكمل دراسته الجامعية في جامعة القاهرة، وهو يرفض بوضوح الحديث عن فترة احتجازه، مفضلا التركيز على حقيقة الوضع في سوريا، والسبل الممكنة للمضي نحو الحل. يروق لي أن أعرض مداخلة هينين في مجملها؛ لأنه كان مصرا على التأكيد على بعض القضايا التي تُهمل عادة في تحليلات الصحفيين وصناع القرار.
أولا، كشف هينين أن بنية الدولة اختفت تماما في كل من سوريا والعراق، وهو بذلك ينضم إلى الأطروحة التركية، وإن كانت غير مصقولة، عندما استنكر رئيس الوزراء ثم رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية سياسة رئيس الوزراء العراقي السابق "نوري المالكي"، المثيرة للانقسام المجتمعي والطائفي. لا تمثل الحكومة المركزية العراقية العراقيين جميعا، بل تعمل ممثلا للطائفة الشيعية، وتربطها علاقات وثيقة للغاية بإيران، ولذلك فهي تهمش السنة العرب والأكراد تماما. لن يكون العراق في المستقبل دولة مركزية بالتأكيد؛ لأن الدولة المركزية اختفت منذ زمن طويل، واختفت معها الديناميات والرموز التي يمكن أن تجمع الأمة.
شمل تحليل هينين في السياق نفسه وضع الدولة السورية، فالنظام ميت، لكنه يبقى على السطح بجهود مشتركة من حزب الله وإيران وقبلهما روسيا الاتحادية. لكن هينين يُذكّر بأن نظام بشار الأسد وداعميه مسؤولون عن مقتل 80% من المدنيين منذ بداية الحرب الأهلية عام 2011 ، وأن هذه العصابة الإجرامية لا يمكن أن يكون لها مكان في أي منظور مستقبلي في سوريا.
ثانيا، أصر هينين على حقيقة مرت من دون أن يلاحظها أحد، وهي أن إخفاق داعش ودحره تماما يرجع إلى حقيقة أثارت قلق الجميع لأسباب مختلفة، وهي الهجرة الجماعية للمسلمين إلى المجهول. عندما أسست "الخلافة" كان هدفها الرئيس بناء مجتمع يعيش فيه المسلمون في سعادة، في حين أن عدد المسلمين الذين يحاولون الفرار من داعش ومن خلافته يصل إلى ملايين، وهذا ما أفقد داعش مصداقيته لمرة واحدة وإلى الأبد. سيحاول داعش إرسال مقاتلين إلى أوروبا متنكرين في زي " مهاجرين" لشن هجمات إرهابية، وتسميم الوضع بين السكان المحليين والمهاجرين. في الآونة الأخيرة أمسك مهاجران سوريان "حقيقيان" يكرهان داعش من صميم قلبهما، بمقاتل داعشي كان يحاول الفرار، وسلماه إلى قوات الأمن الألمانية.
ثالثا، عقد هينان مقارنة بين ليبيا وسوريا، ففي ليبيا تسبب تدخل حلف شمال الأطلسي بناء على طلب فرنسا وبريطانيا في انهيار النظام الشمولي، لكنه لم يكن تدخلا ناجحا. ومع ذلك فمقارنة بسوريا قضى 5000 شخص، واضطر 12 ألف مدني إلى الفرار من مدنهم. أما في سوريا فلا أحد يعرف أكثر من أن نصف مليون شخص لقوا حتفهم، وأن نصف سكان البلاد البالغ عددهم 12 مليون نسمة قد تركوا منازلهم أو غادروا البلاد تماما. وعلى ذلك فربما كان من الممكن للتدخل الجوي في وقت مبكر في سوريا ( مثلما طالبت بذلك تركيا وفرنسا معا) أن يقلل من ذبح السكان.
وأخيرا، قال هينين صراحة: " إن قيمنا لا ينبغي لها أن تبقى في كلمات بسيطة فقط" سييبغض المواطن السوري الطيار الذي يقصف مسكنه أكثر من بغضه لمقاتل ملتح يقف على حاجز التفتيش. وهذه هي القضية الرئيسة: العنف يطال الجميع في سوريا وفي أجزاء من العراق يوميا.
وخلص هينين إلى القول بأن زعيم داعش اليوم يدعى "البغدادي" على الرغم من أنه ليس من بغداد، وبعد عشرة أعوام سيطلق زعيم أسوأ تنظيم إرهابي على نفسه اسم " الليبي".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس