إيمري غومين - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
يمكن أن يكون هذا سيناريو مضحكا لفيلم منخفض التكلفة، فقد أصبح النقاش الرئيس بين المؤيدين والمعارضين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو مستقبل تركيا في الاتحاد. بدأ مؤيدو انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي الترويج لأن تركيا على وشك أن تصبح عضوا كاملا، في حين رد المؤيدون لاستمرار بريطانيا في الاتحاد بأن انضمام تركيا ليس واردًا الآن ولا حتى بعد ألف عام.
وقد بادر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بهذا الخطاب شديد الذكاء، والذي قد يصبح بالغ الخطورة على الجميع باستثناء نايجل فراج زعيم حزب الاستقلال البريطاني وغيره من مهرجي اليمين المتطرف. ما تتوقعه بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو شيء واحد: أن الدور الذي تريد تركيا أن تلعبه من أجل مستقبل الاتحاد الأوربي هو شئ مختلف تماما.
لكن من يهتم. نحن نعيش في عصر الشر، فما كان يعد غير مقبول سياسيا وأخلاقيا قبل عشرين سنة، أصبح اليوم روتينا يوميا. للمرة الأولى في التاريخ اغتيلت شخصية سياسية خلال النقاش حول التكامل الأوروبي. طعنت النائبة عن حزب العمال جو كوكس وقتلت لأنها كانت تناضل من أجل بقاء المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي، ومن أجل مساعدة اللاجئين. وهذا الأمر ينبغي أن يكون كافيا بمفرده لإظهار مدى التوتر والتعصب وعدم النضج الذي وصل إليه الجدال السياسي في دول أوروبا وغيرها من البلدان.
إن استخدام تكتيك التخويف "الأتراك قادمون" لثني البريطانيين عن التصويت بلا في الاستفتاء هو أمر يرثى له. وصف البروفيسور مايكل دوجان من كلية القانون جامعة ليفربول، النقاش حول الاستفتاء بأنه "خيانة للأمانة على نطاق كبير"، إذا أخذنا في الحسبان الدعاوى والدعاوى المضادة من كل جانب. وكما يظهر من مداخلة البروفيسور دوغان التي جاءت في توقيت جيد، فإن التبعية لأي منظمة دولية سواء كانت الأمم المتحدة أو حلف شمال الأطلسي أو منظمة التجارة العالمية، تتطلب قدرا معينا من المقايضات. قررت الدول ذات السيادة أن تصبح جزءا من المنظمات الدولية من أجل ممارسة مزيد من النفوذ، والحصول على مزيد من القوة على الصعيد الدولي. في عالم يتجه إلى العولمة أكثر من أي وقت مضى فإن هذا التعاون والترابط يكون مناسبا، ويبقى ضرورة لا بد منها.
إن البديل موجود دائما، ومما يؤسف له أن هذا البديل يفسح المجال لكثير من الأوهام. تبدو الانعزالية جذابة جدا في أوقات الأزمات. لو أن السلطات الألمانية قررت في عام 1931 تخفيض قيمة المارك الألماني، لكان أدولف هتلر قد بقى على ما كان عليه طيلة حياته مجنونا لا يعرفه سوى يضع مئات من المجانين مثله. لكن الانعزالية سادت، ثم ضاع كل شئ تدريجيا، وانتحرت الحضارة الأوروبية في حربين عالميتين.
من ناحية أخرى وصلت مفاوضات انضمام تركيا إلى طريق مسدود، حتى لو فتحت فصول جديدة. وتفسير ذلك بسيط هو أن التكامل الأوروبي يعتمد على المشروطية. تتطلب عضوية الاتحاد الأوروبي عددا كبيرا من الشروط الوجب توافرها بقدر كاف مثل معايير كوبنهاجن، لكن قائمة الشروط طويلة جدا ومفصلة جدا. من غير الممكن إقامة علاقة صحية بين تركيا والاتحاد الأوروبي من خلال الأخذ بسياسة الواقعية فقط في الحسبان. لا يمكن أن تحل العلاقات الدورية والتقارب محل عملية التكامل القوية. ليس الاتحاد الأوروبي ولا تركيا على استعداد للمشاركة من جديد في هذا النظام من التكامل الحقيقي الذي تحكمه مفاوضات الانضمام للاتحاد.
قد يبدو ذلك انتكاسة مؤقتة. وثمة انتكاسات عديدة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، ومع ذلك لم تصل هذه العلاقات إلى مستوى مفاوضات الانضمام من قبل، وانتكاسة في هذا المستوى ستكون لها آثار سلبية عميقة. لا يزال النقاش في المملكة المتحدة يتخذ أسلوبا بليغا. كانت المملكة المتحدة أمة حين دعمت جميع القوى السياسية الرئيسة، من العمال والمحافظين والديمقراطيين الأحرار، عضوية تركيا في نهاية المطاف. وبدون الإدارة البارعة للدبلوماسية البريطانية في المقام الأول ما كان لمفاوضات انضمام تركيا للاتحاد أن تبدأ في عام 2005.
إن تطور مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد التي تعرضت للتخريب من بعد الدول الأعضاء، وتزايد إحجام أنقرة عن مواصلة عملية الإصلاح من أجل التوافق مع معايير الاتحاد هو ما أدى إلى الوضع الحالي الذي يتم فيه شيطنة دولة وشعبها من أجل بقاء بريطانيا أو خروجها من الاتحاد الأوروبي. هذا الوضع مؤسف وخطير جدا، ويظهر مدى أهمية مبادئ الاتحاد الأوروبي والإصلاحات. يمكن أن تكون بعض الدول الأعضاء في الاتحاد بعيدة عن هذه المبادئ والسياسات، لكن ذلك لا يستدعي أي عزاء لتركيا. ستكون الحكومة التركية متحفزة إلى أبعد الحدود لبدء العمل بجدية على الإصلاحات التي يتطلبها الاتحاد الأوروبي والعمل في عملية التنسيق،حتى وإن كان الاتحاد الأوروبي غير مستعد لدعم تركيا في مساعيها. لقد حان الوقت الآن لتنفيذ مبادئ أنقرة، إذا كانت الإرادة السياسية لا تزال موجودة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس