هاكان البيرق – صحيفة قرار – ترجمة وتحرير ترك برس
هذا ما قالته إيران قبل 5 أعوام: "لا توجد انتفاضة شعبية في سورية، إنما هناك فتنة تقوم عناصر صهيونية بنشرها في البلاد، لذلك يجب على تركيا ألا تنمّي هذا الفساد. بل عليها مساعدة إيران في قمع الفتنة الموجودة".
بصفتي شخصا مؤيدا للثورة السورية منذ بدايتها ومتأكد من أن مصدر الفتنة في سورية هو نظام الأسد-الخميني, كتبت هذه الكلمات في مقالتي الأخيرة: "أدى توقف تركيا عن دعم الثوار في سورية إلى سيطرة مجموعات البغدادي, إيران وروسيا على ساحة المعركة. لذلك عليها بعد الآن أن تقوم على الأقل بتلبية متطلبات الحرب مع أخذ جميع المخاطر بعين الاعتبار. في حال استمرار تركيا بالامتناع عن القيام بذلك لتفادي مواجهة روسيا, أو عدم توفير الشروط الموجودة لمنظور نصر عسكري مطلق, فعليها أن تقوم بأخذ موافقة المجموعات الثورية المسلحة للبدء بالمفاوضات السريعة من أجل السلام الفوري ومحاولة عقد صفقة مع إيران. في المفاوضات السابقة, كانت إيران متأكدة من قدرتها على مواجهة الثوار بعد أن اعتبرتهم مجموعة من اللصوص. لكنها لم تحصل على نتيجة إيجابية بسبب عدم استعدادها للتضحية. واضطرت فيما بعد إلى مغادرة الساحة وتركها لروسيا بعد أن أدركت عدم قدرتها على مواجهة الثوار وردهم العنيف لها. لربما تبدأ إيران بمفاوضات أكثر عقلانية من سابقاتها بعد مواجهتها لخطر فقدان الأفضلية نهائيّاً أمام روسيا".
تحدثت عن المفاوضات السابقة. وذلك يعني أن المفاوضات التركية-الإيرانية ليست جديدة. لكن في هذه الأوضاع, تحاول الدول المجاورة ترك انطباع أن السبب في عدم التمكن من حل القضية السورية وخروجها عن السيطرة هو عدم الحوار مع إيران مسبقاً.
مع بداية المظاهرات السلمية و رد نظام الأسد عليها بالمجازر في 3 مارس 2011, بدأت تركيا بإجراء مفاوضات لا تعد ولا تحصى مع حكومة الأسد وإيران لإيجاد حل سلمي لهذه المسألة. من المفترض أن جميع الجهات في بداية المفاوضات كانت متفقة على الحذر من تمهيد الطريق لتدخل القوات الخارجية في شؤون سورية. لكن تركيا كانت الوحيدة المؤكدة على هذا الأمر، حيث عبرت عن رأيها بقولها: "يجب عدم تجاهل مطالب الشعب العادلة، وعدم إطلاق النار على المتظاهرين السلميين لتجنب زيادة سعير النار المشتعلة".
للأسف, لم تجد نداءات تركيا السلمية أي رد. وأصر نظام الأسد على استعمال العنف الأعمى، ولم تكتفِ الحكومة الإيرانية بدعم هذا الإصرار، بل أرسلت جنودها إلى الساحات السورية لإكمال هذا العنف. وعندما لم يعطِ هذا العنف النتيجة المتوقعة لجأ نظام الأسد وإيران إلى الاستعانة بروسيا. وفي هذه الأثناء دخلت مجموعات البغدادي والولايات المتحدة الأمريكية إلى الساحة أيضاً. ذلك يعني أن لامبالاة النظام الأسدي والحكومة الإيرانية كانت السبب في تأسيس ساحة صراع للقوات الخارجية في سورية. لربما كنا نواجه هذه الفوضى بسبب خيار واعي من النظام وإيران, وليس بسبب اللامبالاة.
هناك أطراف ترفض المفاوضة مع إيران نظراً إلى التجارب المريرة في الماضي ومدعيةً أن المفاوضة مع أهل الفتنة والفساد غير مجدية. من المرجح أن تستمر لامبالاة إيران واختيارها الواعي للاستمرار في إثارة الفوضى. على الرغم من دعوة إيران للتعاون مع تركيا في إزالة الأساس الذي أنشأته القوات الخارجية في سورية والعراق, إلا أن تركيا ستستمر في حمل الشبهات حول تصرف الحكومة الإيرانية بودية.على الرغم من أنه أمل ضعيف, إلا أنه يجب اختبار هذا الأمل.
لنعتبر أن تركيا ستستمر في الحد من دعمها للثوار نظراً لعدم توفر الشروط المناسبة. يجب على إيران القبول بأن الثوار على الرغم من ظروفهم الحالية يحافظون على قدرتهم في استمرارية المكافحة المسلحة والتسبب بخسائر كبيرة لأعدائهم لعدة أعوام. إن خسارة الثوار الأخيرة في معركة حلب لا تعني أن الحرب انتهت لصالح أي طرف. أظهرت حالات الكر والفر خلال الحرب التي شهدناها في ال5 أعوام الأخيرة أنه لا يمكننا القول أن أحد الأطراف تمكن من تحقيق نصر مطلق. يمكن أن تنعكس الأوضاع في أي لحظة، ويمكن أن تنعكس لصالح الثوار على الرغم من فرق القوة والسلاح غير القابل للجدال بين الثوار وأعدائهم.
ويمكن أن تستمر هذه الحرب لعدة أعوام أخرى. يمكن أن تستمر لدرجة استهلاك جميع مصادر إيران وإتعاب روسيا إلى درجة كبيرة. في حال استمرارها لفترة أطول, يمكن أن يستند الثوار إلى تركيا بشكل تام وأن تنشأ ظروف جديدة تسمح لهم بالمسير نحو النصر النهائي والمطلق. لكن هناك احتمال قتل الآلاف من الشعب السوري خلال هذه الفترة. في حال توجه الثوار وتركيا إلى عقد اتفاقية صلح مع إيران من خلال تقديم تنازلات متبادلة بدلاً من هذا النصر المطلق "على سبيل المثال, يمكن للثوار القبول ببقاء الأسد خلال فترة تأسيس نظام جديد في سورية بناء على رغبات الشعب السوري مقابل أن تقبل إيران بمشروعية بعض القوات الثورية المسلحة مثل أحرار الشام وتأمين ضمانهم", يمكن أن ترفض إيران ذلك نظراً إلى أوضاع حلب الحالية وتختار أن تستمر بالقضاء على المعارضة بشكل نهائي. عندها لا يوجد شيء لنفعله، وفي حال رفض الثوار لذلك, لا يوجد شيء لنفعله أيضاً. طبعاً سوى الاستمرار في دعم الثوار.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس